حتى يعطي حكام العراق اليوم درسا من الامس ويسجل نقطة ادانة جديدة في سجلهم الحافل بالفشل اختار الزميل انور الحمداني الباشا نوري السعيد نموذجا ظالما لهذه المقارنة. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو .. من هو المخطئ ؟ أهو نوري السعيد صاحب المشاريع العمرانية العملاقة عبر ما كان يطلق عليه “مجلس الاعمار” ام الشعب الذي صب جام غضبه عليه ؟ ام حكام العراق ممن جاءوا بعده منذ عام 1958 حتى اللحظة؟ اطرح هذه الاسئلة لكي تكون المقارنة منتجة وعادلة. الجميع يعرف ممن درس او تابع او عايش تاريخ العراق السياسي الحديث منذ يوم الخامس عشر من تموز عام 1958 حيث مقتل نوري السعيد والتمثيل بجثته وحتى يوم 15 تموز القادم 2015 بكل ما حفل به هذا النصف قرن من احداث ووقائع وزعامات وانقلابات وتوجهات واتجاهات لابد ان يسجل نقطة تبدا هذه المرة من نهاية السطر لا من بدايته.
كل المشاريع العملاقة بدء من مبنى وزارة التخطيط والمجلس الوطني الى جامعة بغداد مرورا بالجسر المعلق الى مشاريع الري والبزل والسدود في كل العراق كانت كلها من ثمرات مجلس الاعمار الذي اسسه السعيد عام 1951 والذي لم يستمر سوى 8 اعوام. وللتاريخ ايضا كما يردد الزميل انور دائما فان فكرة مجلس الاعمار التي تبناها السعيد جاءت على اثر الزيادة في انتاج النفط بعد اتفاقية مناصفة الارباح التي عقدها السعيد مع الشركات النفطية. اما مشاريع هذا المجلس فكانت تمول من عائدات النفط بنسبة 100% وهو ما يعني كل عائدات النفط عبارة عن ميزانية استثمارية لاتشغيلية بنسبة 70% مثلما يجري الان تذهب جلها للرواتب والامتيازات والحمايات والايفادات.
مع ذلك لم يلتفت الشعب الغاضب الى ما فعله هذا الرجل من مشاريع بتنا نترحم اليوم على من خطط لها ونفذها .. بل قرر الثورة عليه والغضب منه انسجاما مع شعارات الثورية والرومانسية الحالمة التي مازال نفس الشعب يدفع ثمنها دما ودموعا حتى هذا اليوم. شئ وحيد أضيف الى أجندة الشعب العراقي هو مطالبته اليومية الزميل انور من على “استوديو التاسعة” تعبيد الطرق وتامين الماء والكهرباء وجلب فرص العمل واطلاق سراح المعتقلين وتقديم المسؤولين عن سقوط الموصل وجريمة سبايكر الى القضاء وترك العمل بالمولات والنافورات في مفارقة اجتماعية لاتحصل الا في العراق. فالعراقيون يعرفون ان انور لا رئيس وزراء ولا وزير كهرباء ولا عمل وشؤون اجتماعية ولا رئيس سلطة قضائية ولا قائد القوات البرية ولا نائب رابع لرئيس الجمهورية. ربما ثمة من يقول ان الهدف من ذلك هو اختيار “البغدادية” منبرا وهي خير منبر دون ادنى شك لايصال صوت الناس. لكني مضطر لتصنيف هذا السلوك على انه تجسيد لازدواجية الشخصية العراقية. وساذهب الى ما هو ابعد من ذلك لاخشى على انور يوما من مصير مشابه لمصير السعيد لاننا اعتدنا على الانتقام من البناة والتصفيق للفاسدين والمفسدين واعادتهم الى البرلمان والحكومة وبمئات الاف الاصوات. عزيزي انور صدقني ان آباء وأجداد الذين يناشدونك يوميا بمن فيهم ابوك واباء الدكتور عون حسين الخشلوك و كاتب هذه السطور و نوري المالكي واياد علاوي وحاكم الزاملي وحامد المطلك وبهاء الاعرجي وحنان الفتلاوي وجد الزميل مصطفى الربيعي هم من غضب وثار وسحل جثة واضع اسس البنية التحتية للعراق الذي اراده السعيد ان يكون منذ اكثر من نصف قرن “زرق ورق” لكن ليس على الطريقة .. العبعوبية.