أحد أهم المشاكل التي تواجه العالــــم البشري هو حالة التصادم الذي تعيشه المجتمعات في كيانها نتيجة التباينات في المصالح والأفكار والتي تضعها أمام الأزمات التي تعصف بها وتهز أركانها وأسسها وقد تقودها نحو الحرب وخصوصا المجتمعات المتعددة المذاهب والاديان والاعراق، وهذا يعني أن تكون هذه المجتمعات هشة وضعيفة وسهلة الانفراط والوقوع في الطريق المسدود الذي لا ينفتح أمام العدل والسلام والاستقرار التي هي من أهم أماني واحلام البشرية.
ولا شك فإن تلك الأنانية المفرطة التي تلازم الإنسان هي التي تجعله متمسكاً بمصالحه الشخصية والذاتية مهما كانت الظروف والنتائج والسبل التي يختارها لتحقيق اهدافه بغض النظر ان كانت في مصلحة المجتمع ام لا. ولا ننسى أن معظم الحروب وقعت نتيجة لذلك الشره البشري الذي لا يعرف حدوداً وقيوداً, والتاريخ لازال يئن ويتالم نتيجة لذلك الظلم المتراكم عبر تجاوزات إخترقها الطغيان البشري ليعتدي على حريات الآخرين ويلتهم حقوقهم.
ولكي يتم فك التشابك والإختلاف الذي قد يحصل بين أفراد المجتمع ووضع حد لأولئك الذين لاتقف أطماعهم عند حد معين، كان لا بد من وجود تشريعات ومعايير ومبادئ يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك الاجتماعي وفك التصادمات والحفاظ على الحقوق المشروعة لكل فرد. وعلية يجب ان تكون هذه التشريعات تصب في مصلحة الشعب وتعزز من وحدته وتماسكه ,وكذلك اعادة النظر بآليات تشريع بعض القوانين ومراجعة الفوضى المحيطة بها , ومن المهم الاشارة الى ان القوانين لاتخلو من بعد اقتصادي وتنموي مما يستدعي مراعاة ذلك في الموازنة العامة للدولة فضلا عن ان القوانين الاقتصادية شديدة التأثير على الستراتيجيات وموازنات الدولة ولذا فأن تشريعها يتطلب دراسة الحالة الاقتصادية للدولة ومدى امكانية توفر الاموال الازمة لهذه القوانين. وكذلك لابد ان يكون القانون متماشيا مع سياسة الدولة وتوجهاتها
وقابليتها للتطبيق ومخاطرها وتداعياتها واستشراف الشركاء السياسين اللذين يؤمنون بالدولة المدنية ودولة المواطنة لانهم الاقرب الى الاعتدال وهم بعيدون عن التطرف والانتماء الطائفي الذي يمكن ان يشكك في نية تشريع اي قانون حساس وستراتيجي يرتبط بمصير امن الدولة.
وللاسف شهد العراق وبعد سقوط النظام السابق سلسلة من التشريعات المضرة بالمجتمع العراقي والتي تسابقت عليها احزاب الاسلام السياسي اللذين يقبعون تحت الطائفية السياسية المقيته وهذه التشريعات ساعدت على تفكك النسيج المجتمعي مما سهل لفتح ارضية خصبة للتنظيمات الارهابية من العبث بامن البلد , وكذلك ادت الممارسات الخاطئة لهذه القوانين من احتلال ثلثي الاراضي العراقية , ومن هذه القوانين قانون حل الجيش ومؤسسات الدولة واجتثاث البعث وقانون المخبر السري الذي راح ضحيته المئات من العتقلين وقانون المسائلة والعدالة , وغيرها من القوانين , ولا بد من الاشارة الى ان الاحزاب والشخصيات التي تؤمن بالمشروع الوطني و الدولة المدنية وقفت بالضد من تشريع هذه القوانيين ومنهم الدكتور اياد علاوي الذي يؤمن بالمشروع الوطني الجامع لكل العراقيين والذي طالما اكد على ان هذه التشريعات تضر بالنسيج الاجتماعي وبالمصالحة الوطنية التي تعتبر الاساس لبناء الدولة وتصحيح الاخطاء التي سارت عليها العملية السياسية, ولاننسى في شباط من عام 2015 عندما حاولت القوى السنية من تشريع قانون الحرس الوطني حينها وقف الدكتور اياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية والامين العام لحزب الوفاق الوطني بالضد من تشريع هذه القانون الذي يضعف المؤسسة العسكرية ويجزئها , واكد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وتقوية الجيش، لمنع تشكيل “جيوش صغيرة” تؤسس لمعارك مستقبلية.
واليوم خرج علينا التحالف الوطني بتمرير قانون الحشد الشعبي بحجة الحفاظ على حقوقهم, في الوقت الذي نثمن دور المتطوعين من ابطال الحشد المقاتل وتضحياتهم الجسيمة في تحرير ارض العراق ومقارعة ودحر قوى الارهاب, وضرورة توفير كامل استحقاقاتهم والدفاع عن حقوقهم , لكن ليس مع تشريع هكذا
قوانين تثقل كاهل الدولة خصوصا في ضل التضخم الحاصل في هيكل الحكومة ومؤسساتها, وتجزءة القوات الامنية من الجيش والشرطة واضعافها بتشكيل مسلح ينتمي لاحزاب اسلامية من مكون معين يودي بالنتيجة الى تقسيم البلد وتفكك المجتمع, و اذا اردنا انصاف مقاتلي الحشد المقاتل فيجب دمجهم في المؤسسة الامنية من الجيش والشرطة او المؤسسة المدنية لقاء تضحياتهم العظيمة او تعويضهم محل الفضائيين من القوات الامنية او الدوائر المدنية الذين كشف عنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي, كما ان الدكتور اياد علاوي الذي تربطه علاقات متينة مع كبار قادة الحشد الشعبي قد طالب مرارا وتكرارا بدمج عناصر الحشد بالاجهزة الامنية للحفاظ على حقوقهم وليس بتشريع قانون يكون فيه قوى رديفة تضعف فيها المؤسسة العسكرية وتتعدد فيها وحدة القرار الامني و هذا لايصب في مصلحة العقيدة الامنية.
وعيله فان الحل الامثل من وجهة نظر دعاة الدولة المدنية وعلى راسهم الدكتور اياد علاوي هو تشريع قانون الخدمة الالزامية لضمان حصر السلاح بيد الدولة وبذلك تقوى الموسسة العسكرية, وبالتالي ستنتهي كل مظاهر الفئوية والمناطقية، وايضا إعادة بناء الجيش العراقي على أسس مهنية وطنية ويكون جيشاً لكل العراقيين بدون تمييز, وهذا هو القرار الصائب بعيدا عن تشريع قوانين تضر بالمصلحة الوطنية والتي تؤسس لجيوش وتشكيلات بمعزل عن المؤسسة العسكرية وهذا الموقف من قبل الدكتور اياد علاوي بقي ثابتا من قانون الحرس الوطني وقانون الحشد الشعبي.