23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

بين شيخ الجبال وأبو بكر البغدادي

بين شيخ الجبال وأبو بكر البغدادي

في احد إصدارات تنظيم داعش والمسمى ( صليل الصوارم ) يظهر في نهاية الفلم رجل يرتدي الملابس السوداء وهو يحمل راية التنظيم السوداء ويمشي الهوينا متكلفا بطريقة هوليودية على جبل تحته سهول ومدينة موحيا بان تنظيمه يرفع العلم من فوق قمة جبل والجميع تحته . هذه اللقطة محسوبة بدقة وباحترافية عالية . وأنا أتابعها تصورت تنظيم الحشاشين بقيادة الحسن بن صباح الضارب في القدم فعقدت مقارنة بينه وبين داعش وبين شيخ الجبال حسن بن صباح مؤسس الحشاشين وأبو بكر البغدادي مؤسس تنظيم داعش الإرهابي .

يقول احد المهتمين بدراسة التاريخ : إننا بعملية تحريك الماضي إنما نريد أن نقيم جسرا بينه وبين الحاضر للوصول إلى مستقبل أفضل . وإننا نحتاج لفهم تنظيم داعش وطريقة تفكير القائمين عليه والإستراتيجية التي يعتمدها في حربه ضد الوجود الإنساني في العراق بوجه خاص وفي العالم بوجه عام حتى نتمكن من حربه أو الحد من تأثيره , لذلك نعقد مقارنة بين تنظيم الحشاشين وتنظيم داعش المعاصر من اجل أن يفهم الناس كيف يعمل داعش وأساليبه في السيطرة والتحكم , ثم نضع المقارنة بين أيدي المختصين للاستفادة منها .

يشير علي مبارك في كتاب ( علم الدين ) نقلا عن المقريزي إلى إن العالم الإسلامي عرف الحشيش على يد شيخ من المتصوفة يدعى حيدر عام 658 م حيث كان الشيخ يتعبد في زاوية في صحراء فارس تنمو حولها نبتة خضراء راءها فأعجبته فأكل من أوراقها فانتابته نشوة ذهبت عنه ما سببته له الوحدة من كآبة وذكر ذلك لأتباعه فذهبوا معه وشاهدوها وعرفها بعضهم بأنها نبات القنب وظل سر الشجرة بين هؤلاء ثم انتشر بين العامة فعرفه الحسن بن الصباح كبير منظمة الحشاشين ومؤسسها فأستعمله مع الشباب الذين ينظمون إلى منظمته بإيهامهم بأنهم في الجنة حيث يسقيهم من الحشيشة ويدخلهم في حدائق مصممة لهذا الغرض تحتوي كل ما لذ وطاب من خمر ونساء وطيور بحيث يتصور الداخل إليها انه في جنة حقيقية وبعد أيام معدودة يتم إخراج الشاب منها بعد أن تشبع بكل اللذائذ التي تتوق إليها النفس البشرية وتهواها فيتصور الشاب أنه كان في جنة حقيقية .

تذكر كتب التاريخ أن مبعوث الإمبراطور الروماني الشخصي ل ( حسن بن الصباح ) شيخ الجبال وقائد الحشاشين قد اندهش من قابلية الحسن وقوته وسطوته على أصحابه ومبدأ الطاعة العمياء التي تربى أصحابه عليها حيث أشار شيخ الجبال بحضور ممثل الإمبراطور إلى قمة برج قلعة النسر المقامة على جبل بارتفاع ألفي قدم قائلا : أترى هؤلاء الأتقياء الواقفين يحرسون هناك عند قمة البرج ؟ انظروا وقام بإشارة من يديه . فجأة رفع الرجل ذو الملابس البيضاء يديه محييا , ورمى نفسه ألفي قدم داخل السيل المزبد الذي يحيط بالقلعة ليتحول إلى أشلاء .

قال الحسن لمبعوث إمبراطور الرومان : لدي سبعون ألف رجل وامرأة في كل آسيا كل واحد منهم مستعد لتنفيذ أوامري . هل يستطيع سيدك مالك شاه أن يفعل نفس الشيء وهو يطلب مني أن اخضع لسلطانه ؟ هذه إجابتي فاذهب . يحدثنا التاريخ إن أتباع الحسن بن الصباح القوا

الرعب في قلوب الرجال من قزوين إلى مصر , لا تزال طائفة الحشاشين موجودة إلى اليوم في شكل الإسماعيلية وإمامهم المعترف به هو ( أغا خان ) ويعزون إليه صفات إلهية والذي من المفترض أن ينحدر نسبه من النبي عن طريق علي بن أبي طالب ومن ثم إسماعيل الإمام السابع الذي أصبح تجسيدا للإلوهية أكثر من أي ( لاما ) تبتي .

الحشاشين وتنظيم داعش يعتمدون مبدأ ( الخلافة من قريش ) لذلك تخبرنا كتب التاريخ إن قادة الحشاشون كانوا حريصون على ربط نسبهم بالنبي العظيم محمد ( ص ) وهكذا الأمر بالنسبة للبغدادي الذي ربط نسبه بالنبي محمد حتى يتمكن من اخذ البيعة من الناس على السمع والطاعة باعتباره ينحدر من نسب مقدس .

انشأ الحسن بن صباح جنته التي يمرر أتباعه فيها بعد أن يخدرهم باستعمال الحشيشة ومن ثم يتم نقلهم إلى الحدائق الغَناء حيث ملذات لا حصر لها ولا عد من نساء وغناء وخمر بحيث يتصور الرجل انه يعيش في الجنة الربانية وبعد فترة يتم تخديره مرة أخرى لإخراجه خارج جنة الصباح ليخبر الناس ماذا شاهد وكيف فعل في جنة يتحكم بها حجم رضا حسن الصباح ومقدار الطاعة لتعاليمه والانصياع لأوامره وهنا بدئت النواة الأولى لتشكيل أول تنظيم فدائي في التاريخ حيث أن الرجال يقتلون أنفسهم للفوز بجنة الحسن بن الصباح ويفنون أرواحهم لنيل رضاه الذي يتصورون انه رضا الله للفوز بالجنة وهذه الطريقة اعتمدتها معظم التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومنهم تنظيم داعش الذي يعتمد على العمليات الانتحارية كآلية عمل فعالة يتفوق بها في حروبه على كل الخصوم ويعتبرها طريقا إلى الجنة . كما إن هناك إستراتيجية اعتمدها الحسن بن الصباح يعتمدها الآن أبو بكر البغدادي في إدارة تنظيم داعش وهي فكرة الخلايا النائمة حيث كان الصباح يزرع أتباعه في مناطق القرار السياسي وفي داخل الجيوش والمؤسسات العاملة تحت إدارة الحكومات وقد يبقى الواحد منهم سنين طوال وهو متخفي وقد يصل إلى المراتب العليا في مكان عمله ولكنه في كل لحظة ينتظر أن يفدي روحه لتنفيذ الذي يطلبه الحسن وهكذا الأمر مع تنظيم داعش بقيادة البغدادي الذي لا يمر يوم إلا والمؤسسات الأمنية في العراق يتم اختراقها من قبل أتباع البغدادي ومريديه .

المشتركات كثيرة بين التنظيمين فكلاهما متطرف حد الجنون فالحسن بن الصباح قتل ولداه الاثنان على مرأى الشهود بحجة تطبيق الحدود الشرعية لان احدهما نفذ اغتيال غير مسموح به والآخر شرب الخمر, وهاهو تنظيم داعش يخرج إلينا يوميا من على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يقتل أتباعه بحجة تطبيق الحدود الشرعية والخيانة .

يذكر الوزير الأول لهولاكو المسمى ( جاواني ) والذي يسمى أيضا ( أب الملوك ) في كتاب له كتبه بعد أن تفحص مكتبة الحشاشين بعد سقوط قلعتهم بيد عسكر المغول : غن الحسن بن صباح كان قد تعود على شراء الأطفال الغير مرغوب بهم من آبائهم ومن ثم يدربهم على الطاعة العمياء وهكذا استطاع تشكيل جيش من الأتباع المطيعين والمخلصين إلى ابعد مدى وأصبح يهدد الحكومات والدول واعتمد مبدأ إرهاب الجميع ليزيد من قوته وسيطرته , وهاهو تنظيم داعش وهو يجند الأطفال من كل مكان ويختطف الأطفال الايزييديين ويجندهم ويدربهم ليصنع منهم جيش يعتمد التطرف والقتل تحت سيطرة البغدادي ودولته المزعومة

كما إن هناك تماثل غريب في الإستراتيجية العسكرية بين التنظيمين داعش والحشاشين وبين إدارة الرجلين الحسن بن صباح وأبو بكر البغدادي وهو إن التنظيمين في كل معاركهما لم يزجا بأكثر من ألفي رجل في المعركة وهي إستراتيجية ذكية جدا تُمكن التنظيم من المحافظة على قواته كما إن التنظيمين يعتمدان على مبدأ الاغتيالات السياسية لكل الخصوم وبطرق لا تكلفه سوى رجل واحد يقوم بعملية الاغتيال .

الحسن بن صباح وتنظيمه كانت له إستراتيجية لغزو العالم وكان تنظيمه يتحرك وفق إستراتيجية ( باقية وتتمدد ) التي يعتمدها تنظيم داعش فالحشاشين بدئوا من بلاد فارس ومن ثم انتقلوا إلى سوريا والقاهرة لتشكيل جيش يغزو العالم وهكذا الأمر مع تنظيم داعش الذي يعتمد نفس الأيدلوجية ويسير على خطى الحشاشين بشعاره دولة الإسلام المزعومة باقية وتتمدد بالاعتماد على الرعب والصدمة الذي يعتبر مبدأ تعتمده حتى الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها الحديثة . كما إن فرقة الحشاشين المنبثقة من الطائفة الإسماعيلية كان معظم مقاتليها الأشداء من آسيا وكان تشكيل جماعة القتلة ( thugs ) التي تمثل الذراع الضارب لجماعة الحشاشين والتي تتشابه مع جماعة النخبة التي تمثل الذراع الضاربة لتنظيم داعش الآن والتي تتكون من مقاتلين اغلبهم من آسيا .

الذي يثير القلق عند مقارنة فرقة الحشاشين وداعش هو إن التاريخ يكشف لنا إن فرقة الحشاشين كان لها تعامل كبير مع الصليبيين وحسب المستشرق ( س . أمير علي ) : ( استعار الصليبيون من الاسماعيليون المفهوم الذي أدى إلى تكوين كل الجماعات السرية والدينية والدنيوية التي عرفتها أوربا فمنظمات المضيفين hospitallers والهيكليين وجماعة يسوع التي شكلت مجموعة رجال مخلصين لقضيتهم وكذلك الدومينيكانيين والفرنسيسكان وفرسان الهيكل بنظامهم المرتبط بالسادة الكبار الأوائل العظام وبالمؤمنين التابعين ودرجات عضويتهم , يتشابهون كثيرا جدا مع الفرقة الإسماعيلية ) . فهل نشهد أو نكتشف في القريب العاجل تعاون أو تعامل بين تنظيم داعش والصليبين والمتمثلين بالغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ؟؟؟؟

[email protected]