23 ديسمبر، 2024 4:23 ص

كلما تقدمَ بي العمر أتذكر شقوق الجدران التي نحتها في ذاكرتي احد إخوتي حيث كان مولعاً بسخونة الكلمات لاحظتُ عندها إن جدران ذاكرتنا بدأت تتشقق كلما عبرنا محطة جديدة من العمر فتظهر للعيان شقوق الجدران
 
في بلداٍ ..مثل العراق تشمخ جدران عمرها آلاف السنين تمتدد عبر حضاراتِ حفظتها ذاكرةُ المكان .
تُذهلني هذه الشقوق التي تشبهُ ثعابين فرعونية .
جدران الاثار في بابل وحصن الاخيضر جدران الزقورة في ذي قار جدران الأضرحة والمساجد والكنائس المقدسة جدران الوجوه المتهالكة جدران القلوب المحطمة .. جميعها تُفضي الى شقوق حتمية .
ألام العراقية تحتفل بشقوق جدرانها التي ستنهار من شدةِ تشظي الدمع الذي ينفجرُ … طالم ألفِتهُ أنا !
كل نساء العالم يتعطرن بعطرالورود البيضاء إلا ( ست الحبايب العراقية ) تتلقى التعازي بأستذكار أبناءها الذين فقدتهم في الحروب كل الحروب وهي تسمح للدموع ان تاخذ مجالها لتشق جدران وجناتها المتعِبة !
كل نساء العالم يرتدينَ في يومهن ابيض الثياب إلا أمنا العراقية ! الدمع وسواد الثياب يلازمها حد الوداع الأخير .
كل ما في الكون تختصرهُ مساحات الحزن في كلماتها التي تنعي بها ابنها في الغربة..
إن هذه الكلمات تنزع ما في فؤادها من آهات لتطرحه ُ دما عبيطاَ بين شقوق أظافرها حينما تمر بقسوة على وجهها المتعب لتجرف الدم واللحم معاً .
كل نساء العالم اعتدنَ ان يودعنَ أيامهن بالفرح المتناهي في صالات الأزياء . إلا أمنا العراقية تودع التوابيت الى مدينة النجف وهي تشد على خصرها عباءة الفراق الأبدي . فالموت هي أفضل من تصفهُ ..
بين شقوق الجدران تدفن بقايا شعرها الأشيب ليظل شاهداً على قسوة الليالي . وبين حنايا الروح تظم أنغام الحنين لزمنٍ مضى وزمن سيمضي .
كلما ممرت بمدينتي شاهدة الشقوق تتسع اكبر وهذا دليل على استسلامها لرياح الزمن . إلا ان السؤال كيف نعالج تلك الشقوق ! تلك الشقوق التي وصلت الى شراييننا الدقيقة . فشقوق جدران البصرة تشبه شقوق جدران الموصل وكل محافظات العراق كيف السبيل الى ان تلتئم . أخشى ان تتسع تلك الشقوق فيبصرنا الغرباء من بعيد ! فالجدران التي تتشقق سرعان ما تنهار والضوء الغريب الذي يخترقها سيمتهن البوح بإسرار قلوبنا ونحن نرتق الجراح بعويل الثكلى وصرخات الأيتام.
فتماسكي جدران روحي إنني
قد أنزوي خوفاً فلا تنهاري
تلك الشقوق إذا اعتلتكِ فربما
هي لوحة التريخ فوق جداري