بعد مشقة المطاردة، تمكنت انثى الأسد من اصطياد فريستها، وحين حاولت التهامها، وجدت ان الغزالة حاملاً، انصدمت وحاولت في بادئ الامر، ان تنجي الجنين وانشغلت عن افتراس فريستها، لكنها عندما عجزت عن انقاذ الجنين انطرحت ارضاً الى جانب الفريسة، وبعدما توجه لها المصور اتضح انها فارقت الحياة، عندها خطر ببالي قوله تعالى “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا”.
لوحة إنسانية رسمتها تلك اللبوة، عجز عن رسمها كثير من مدعين الإنسانية، ورحت اقارن بينها وبين ذاك البرلماني، الذي يتابع برنامج “كيف يكون الانسان انساناً” وان من أوصله الى ترف السياسة وميزانياتها، اسرة استشهد ربها ذوداً عن حمى الدين والوطن، لذلك ايقنت ان فقدان المبادئ والقيم كفيلة بتحول الانسان الى هيكل تافه، يبحث عمن يعلمه الإنسانية، ولم يعلم ان تجبره وتكبره هما من اوصلاه الى مستنقع التفاهة.
تلك اللبوة هلكت لأنها لم تستطع ان ترى منظر صغير الغزال وهو يصارع الحياة مقتولا اول ولادته، والفرق كبير وشاسع بينها وبين من يتلذذ بقتل الأرواح ليغطي سرقاته، التي فاحت رائحتها، ولا سبيل امامه الا الإبادة، وما داعش، حرائق المستشفيات والدوائر، الا شاهد حي لممارسات من يدعون انهم من أصناف الانسان.
لم يكن الانسان متورعا حين قَبِلَ بحمل الأمانة، التي ابت السماوات حملها وتصدع الجبل من هولها، بل فتح الانسان على نفسه باب من الجهالة والظلالة، والا أي إنسانية تتيح تجنيد مرتزقة ساذجة تفجير أنفسهم النتنة وسط مجاميع، بغض النضر عن طوائفها ومواطنها.
مجتمعنا بحاجة لوقفة جادة من كل فئاته، بوجه الممارسات التي لا تمت للإنسانية بصلة، والتي تغلغلت في اوساطنا ولا خيار للتخلص منها، الا في تشريع عقوبة صارمة لممارسيها، فأي قانون يتيح لمهنة الانسانية الأولى هذا الجشع الذي يمارسه الأطباء، واي تشريع أنتج هذا الاستهتار السياسي الذي جعل من حاشية المسؤولين حلقة لتوزيع ثروات الوطن، فيما يعيش الشعب في الدرجة حتى العاشرة.
خلاصة القول: الإنسانية هي ان تسلم وجهك لله وحده، وان تجعل مصلحتك متساوية ومصالح شركائك واخوتك، وتعمل جاداً على العيش وسط بيئة تنبذ الخلاف، وتفضل التسامح، وهذا هو المعنى الحقيقي للتسوية الوطنية.
سلام.