23 ديسمبر، 2024 10:30 ص

بين سلبية وسلبية سلبية

بين سلبية وسلبية سلبية

مالاشك فيه أن قيادة المجلسين التشريعي والتنفيذي في عراقنا الجديد، ليست بالمستوى المكافئ لمتطلبات بلد جثم على أنفاسه نظام دكتاتوري أكثر من عقود ثلاث، وهذا الأمر ليس وليد اليوم، وليس لرئيسي الحكومة والبرلمان الحاليين او من سبقوهما -كشخصيات ونفسيات- يد طولى في حدوثه، كما أنه ليس نتاج سياسات وسياقات متبعة من قبلهم، بل الخلل يكمن في أس النظام المعمول به، وفي المنهج الذي اعتمد بتشكيل آليات إدارة الدولة بعد زوال الحكم السلطوي الفردي، إذ آل الأمر الى الأحزاب والكتل “وكان شرها مستطيرا”..! فقد بدا كل حزب بما لديه فرحا مسرورا بالصيد الوافر الذي كان حلم رئيسه وأعضائه. وكلنا يذكر مفردة “الكعكة” التي راج سوقها إبان مراحل تشكيل سلطات الدولة، وكذلك مفردة المحاصصة التي نعق ناعقها في كل محفل واجتماع مطالبا بحصته من الكعكة، ومايؤسف له حقيقة، أن الجميع صار يقضم من الكعكة (بلا وجع گلب) وكأنها (من مال الخلفوه) دون الرجوع الى الحق والحقوق، والجائز وغير الجائز، والممنوع والمسموح، فضلا عن الحلال والحرام، فانتهى الحال -بطبيعته- الى ماهو عليه اليوم، ولايبدو مقبل الأيام بأحسن من حاضرها وماضيها، مادامت النيات ماتزال سيئة، والأحزاب مافتئت تسرح وتمرح في الساحة السياسية، بنفوذ عنيد، وقوة هوجاء، وتسلط وقح، لم يحد من جموحها تظاهر ولااعتصام ولااجتثاث ولافتوى ولاهم يحزنون.

لاأظن أحدا من الثلاثين مليون فرد عراقي ينجو إذا أصاب العطب ركنا من أركان عراقهم، ولاأظن أيا من الأسوياء منهم يسعى لخراب بلده او تردي أحواله، او يرضى بتقهقره وركونه في مكان قصي عن باقي بلدان العالم، وانحسار مشاركاته مع أبناء جنسه واندماجه معهم، حيث الجميع يجري في ماراثون التقدم العلمي والتكنولوجي، وهو قطعا -العراق- ليس عاجزا عن الخوض في هذا المضمار، بل هو سباق في تسجيل الدرجات العليا فيه، ونيل المراكز المتقدمة في مجالاته، والأدلة على هذا كثيرة، لها في التأريخ صفحات بارزة منذ قدم وادي الرافدين حتى يومنا هذا. فباستطلاع الى منجزات عالمية أشير اليها بالبنان في ميادين العلوم والطب والصناعة، يبرز اسم العراق في قائمة الدول الأولى التي سجلت قصب السبق وبراءة الاختراع في طرح فكرة هنا، او ابتكار آلة غريبة هناك، او إجراء عملية جراحية فريدة من نوعها في بلد يزخر بالأطباء العمالقة، او اكتشاف علاج جديد لمرض مستعصٍ في دولة متقدمة من مشارق الأرض ومغاربها، وفي كل الأحوال فإن فائدة الفرد العراقي تعود على العراقيين أجمع. ولقد قيل في مثلنا؛ (الحايط لو مال يوگع على أهله).. وكان أهلونا يرددون هذا المثل على مسامعنا مرارا وتكرارا، وقطعا ماكانوا يريدون من تكراره إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا جميعا حتما، وإن لم يصبنا فإن شرره وشره يطالنا من بعيد او قريب لامحالة. فترعرعنا على مبدأ إبعاد المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابو فراس الحمداني: “إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”.

اليوم يمر عراقنا بظرف عصيب خطير له تداعيات ونتائج وخيمة، إذا لم نأخذ جميعنا بعين الاعتبار المثل أعلاه، ونطبقه في حياتنا الخاصة مع كل من يجايلوننا ويعايشوننا، في البيت، في الشارع، في أماكن عملنا، وكذلك علينا العمل بجهد واحد يفضي بنا الى النجاح والفلاح في حياتنا. وكما معتاد.. “تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن” إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم لخيارات نفسه التي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب من دون النظر الى عائدية الخراب عليه او على أهله. ومن هؤلاء اليوم نجد الكثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، دون أن يأبهوا لمستقبل البلاد وبالتالي هو مستقبلهم أيضا. ووسط هلمة ضجيج الأقوال وزحمة تضارب الأفعال، يسير مصير العراقيين في مركب تحف به مخاطر شتى، لاسيما أن قبطانه يتأرجح بين سلبيات قراراته، وسلبيات التدخلات والضغوط التي تمحق إيجابياته وتحيلها الى سلبيات، تتعاظم وتتفاقم بدورها، فتنعكس إذاك على النظام برمته.

وبذا يكون مابدأت به مقالي هذا هو نفسه منتهاه، إذ الخلل في أس النظام المعتمد وأساسه، وليس كما يقول شاعرنا الشعبي: (الضعف بالسگف موش الضعف بالساس).