مابين الزعماء الذين يشكلون الخارطة السياسية للعراق في الوقت الحاضر وبين الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ما لايعد ولايحصى , فالراحل طيب الذكر الغائب الحاضر في عقول وقلوب الناس لايمكن مقارنته مع أي شخصية عراقية حتى ولو لبست ثوب القداسة, فالزعيم رحمه الله كان متقشفا مع نفسه ومع أقرب الناس اليه وليس جديدا القول أنه حين فتشوا بعد مصرعه عن ثروة كانوا يزعمونها لم يجدوا غير دينار وثلاثة دراهم, وبقي بلا بيت يؤي اليه وكان عرينه غرفة متواضعة في وزارة الدفاع , أما طعامه فلم يزد على صفر طاس كان يجلبه من بيته المفترض .
ويوم كان يتجول في أحد مناطق الكاظمية ودخوله أحد الافران فيها رأى صورته الكبيرة معلقة وحين أمسك بعجينة الصمون رأى فيها نقصا عن وزنها فقال لصاحب الفرن صغروا صورتي وكبروا العجينة, وفي قوله هذا بلاغة كبيرة تدل على نفس تقترب من الناس وتبتعد عن البهرجة والدعاية الفارغة. الحديث عن هذه الشخصية الوطنية العراقية الفذة والتي قلما جاد الزمان بها يجرنا للحديث عن سياسيوا اليوم الذين يمسكون بتفاحتين في يد واحدة تفاحة القيادة السياسية وتفاحة الدين والذي من خلاله دخلوا بوابة السياسة, والغريب أنهم لم يفلحوا في الاثنين معا فتخبطهم الواضح في القرارات السياسية لايحتاج الى أيضاح , وتنازع السياسة ورغائب الحياة القى بظلاله على خطهم الديني فأصبحوا مثل الغراب الذي ضيع المشيتين. صورهم تملئ الشوارع وبأحجام خيالية حتى أصبحت المدن العراقية البوما مفتوحا لشهرتهم الزائفة, ولهم من الاموال ما تنوء بحمله الجبال , ولهم من البيوت مالا عين رأت ولاأذن سمعت , وهم بعد ذلك غير راضين عن الوضع الحالي ويطالبون بالمزيد.
بعد هذه المقارنة المجحفة بينهم وبين الزعيم الراحل أقول وأردد الاية القرآنية أما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض.