22 ديسمبر، 2024 10:37 م

بين رؤيتين لنائب الرئيس و الرئيس ….. قلق عراقي مشروع

بين رؤيتين لنائب الرئيس و الرئيس ….. قلق عراقي مشروع

وأخيرا ً كُشف الحجاب عما كانت تحتويه صناديق الإقتراع في انتخابات الرئاسة الاميركية وعرف العالم بأجمعه بأن الرئيس السادس والاربعين لأميركا هو الديمقراطي جو بايدن ( ٧٨ عاما ) بعد ان حقق فوزا لامعاً بحصوله على ٢٩٠ صوتا ً في المجمع الانتخابي من اصل ٥٣٨ صوت ، وهذا مالم يتحقق لأي رئيس أميركي سابق ، وقد تابعت وسائل الإعلام وبكل ما أوتيت من إمكانات هذا الحدث وكنا كمهتمين ومثقفين وسياسيين وإعلاميين نتابع ونرصد كل تفاصيل الحدث الأهم على مستوى العالم ، ولنا في العراق حصة كبيرة من هذه المتابعة التي لا تخلو من الشعور بالقلق والترقب عما ستسفره سياسة السيد الجديد للبيت الأبيض وهو المعروف لدى العراقيين على نحو لم ينله أحد من الساسة الأميركيين مثله ، فهو صاحب مشروع تقسيم العراق وهو من مؤيدي الإنسحاب الأميركي العسكري من العراق كونه كان جزءً مهماً وفاعلاً من إدارة الرئيس باراك اوباما فهو نائب الرئيس لثمانية اعوام ( ٢٠٠٨ – ٢٠١٦ ) وقد زار العراق أكثر من عشرين مرة خلال الحقبة التي ذكرت . ان اكثر ما يهمنا من هذه الانتخابات التي سارت على نحو غير مسبوق هو عقلية الرجل الفائز وما يمتلكه من رؤية ازاء الفوضى التي تضرب العراق ، فلست منحازاً لطرف على حساب الآخر بقدر حرصي على ان يقوم السيد بايدن بمسح شريط ذاكرته وإجراء عملية فرمتة عاجلة لنمط تفكيره القديم عندما كان الرجل الثاني في إدارة اوباما وان يدرك بإن القلق الكبير الذي ينتاب العراقيين ناشئ عن خيبة الأمل من كل الحكومات المتعاقبة واخرها حكومة السيد مصطفى الكاظمي فلازال الرجل خالي الوفاض ولم يقدم شيئاً ملموساً يستحق الذكر على كافة المستويات فهيمنة المليشيات لازالت تتصدر المشهد العراقي والفساد لازال الآفة التي تنهش جسد الدولة بمؤسساتها المختلفة والإستخفاف بكل القيم الإنسانية وانتهاك كل قواعد وسلوكيات حقوق الانسان لازال للأسف هو الثقافة السائدة في مجتمع تلبدت في سمائه كل غيوم الجهل والفساد والشعوذة ، مجتمع فقد بوصلته فلا يعلم بأي إتجاه يكمن بر الأمان . ولكن ثمة شريحة مهمة من هذا الشعب تحمل من الأفكار والرؤى المنفتحة لازالت تحمل هموم هذا الوطن وتدرك ان لا خيار لها غير الشراكة الحقيقية والفاعلة مع واشنطن وإقامة السلام الشامل في المنطقة بما فيه التطبيع مع اسرائيل وان يكون العراق بعداً استراتيجيا هاما ً لها و جزءً لا يتجزأ من أمنها القومي وتؤمن أيضاً بأن المصلحة العراقية يجب ان تدور في فلك المصالح الاميركية ، الامر الذي دفع بهذه الشريحة وهي كبيرة كماً ونوعاً بفعل تزايد حالة الوعي التي أفرزتها ثورة أكتوبر الى الإعتقاد الراسخ بأن الحل للعراق المُثقل بأزماته يبقى خارجيا ً بعد حالة اليأس والإحباط التي أصابت عموم الشعب من أكاذيب الحكومات المتعاقبة منذ ١٧ عاماً . ان المخاوف التي تعتلج صدورنا فور اعلان فوز الرئيس بايدن تكمن في عدم معرفتنا لما ستؤول اليه الامور في بلد لا يقف على حافة الهاوية بل هو في عمقها بسبب الضائقة المالية وعجز الحكومة عن تسديد رواتب الموظفين بالإضافة الى تداعيات جائحة كورونا في ظل انهيار النظام الصحي ، فهل ان رجل البيت البيضاوي الجديد لازال يفكر بطريقة وعقلية نائب الرئيس ؟ هل لازال منقاداً الى أراء باراك اوباما ؟ ، وسط اتهامات واضحة لتلك الادارة في حينها بأنها هي من أسهم وسهل دخول داعش للموصل واجتياح المنطقة الغربية بكاملها وصولا ً لحدود العاصمة بغداد فضلا عن اتهامها بتقوية الشوكة الايرانية من خلال توقيع الاتفاق النووي لدول الغرب مع ايران ، الأمر الذي زاد من نفوذ وهيمنة ايران ومليشياتها ليس في العراق فقط بل في عموم المنطقة . لذا اعتقد ان هناك حزمة من الملفات العراقية المهمة والمفصلية ستواجه الرئيس الجديد وعليه أن يثبت جدارته فيها منطلقاً من المسؤولية الاخلاقية والانسانية التي تحتم عليه دراستها والنظر فيها بعناية فائقة منها مستقبل الوجود الأميركي العسكري في العراق، وطريقة التعامل مع خطر تنظيم داعش الذي لايزال قائماً ، و خطر التمدد والسيطرة الإيرانية على العراق، فضلاً عن تنامي دور المليشيات الموالية لايران وبروز الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة ليصبح ثقافة سائدة ، وسياسة تكميم الافواه من خلال عمليات الاختطاف والاغتيال التي تطال الناشطين والمثقفين دائما ً ، وهي ملفات تثير انقسامات حادة بين الأوساط العراقية إذ تتصور الأحزاب الشيعية الموالية لإيران أن فوز السيد جو بايدن سيعمل على تهدئة الصراع مع إيران، فيما تذهب الأحزاب السنيّة وقسم كبير من الشيعة ( من غير الولائيين ) إلى التفكير بطريقة مغايرة تماماً ناجمة عن المخاوف والقلق اللذان أشرت الى اسبابهما سلفا ً ، خصوصاً بعد ان لمسوا شيئا ً من الحزم والقوة ازاء سياسة ايران طيلة فترة حكم الرئيس ترامب ، مما قاد الى تحجيم دورها في المنطقة بعض الشئ وهذه حقيقة علينا ان نعترف بها و نحسبها لصالح سياسة ادارة الرئيس دونالد ترامب . إن تعليق الآمال على الانتخابات الأمريكية ونتائجها يدل على انعدام وجود سياسة عراقية مستقلة عن التأثيرات الخارجية، بسبب حالة اللا دولة التي نعيشها منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية الان ، بالاضافة الى حالة التشظي السياسي التي تتميز بها عموم الطبقة السياسية . وفي الوقت الذي أدركت فيه الولايات المتحدة أن وجود إيران على الخط يعتبر تهديدًا مباشرًا لإستقرار العراق الذي لم ينجح الى الان في إقامة علاقة استراتيجية أو تحالف حقيقي مع الولايات المتحدة بعد أن يئست الأخيرة من إيجاد حلول للفساد، والسلاح المنفلت، والمليشيات الموالية لإيران ، فالعراق بات بالنسبة لايران مفتاحاً للحل في استراتيجيتها في المنطقة ، حيث عملت على إبعاده عن محيطه العربي وإفشال علاقته مع الولايات المتحدة وقد نجحت بذلك .فماذا سيفعل الرئيس ؟؟ هل سيقوم بتخفيف العقوبات المفروضة على ايران مقابل تقليص انشطة برنامجها النووي ؟ هل سيقوم بانسحاب شبه كامل للقوات العسكرية وسط تحديات لازالت تشكل تهديدا كبيراً والمتمثلة بتنظيم داعش وترك العراق لقمة سائغة لداعش وايران ؟ هل تغير رأيه حول تقسيم العراق وتقطيعه الى ثلاث اجزاء ام لا زال متمسكاً به وسط دعوات شعبية ومجتمعية تناهض هذا المشروع ؟ أعتقد ان على السيد بايدن ان يستمر من حيث انتهى ترامب في الملف النووي الايراني وان لا ينساق مع تصريح الرئيس روحاني الذي يقول فيه ( ان فوز بايدن اعطى فرصة لواشنطن لتصحيح اخطائها ) وان يبعث برسائل مطمئنة للشعب العراقي من حيث ما تمليه عليه مسؤوليته المهنية والاخلاقية وان يكون أكثر حزما ً وردعاً في التعامل مع الملفات التي من شأنها سلب العراق أمنه وأستقراره ، وان لا يتسرع في موضوع الانسحاب العسكري الأميركي من العراق وان يثبت ان أميركا هي امة عظيمة لانها دولة مؤسسات لن تتأثر بهذا الصوت او ذاك وانها ماضية في مشوارها باتجاه شرق اوسط آمن ومستقر وليعلم الساسة في بغداد انها لن تمد لهم يد العون مالم يتم اجراء اصلاحات حقيقية وجوهرية في كل القضايا والازمات التي أسلفت ، اخيرا ً وبعد ان عرفنا ما كان يفكر به نائب الرئيس نتمنى ان نرى ماذا سيفعل الرئيس وكيف سيفكر ؟؟؟؟.