23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

الامراض السياسية احيانا اكثر فتكا من الامراض العضوية والنفسية ، او تلك التي تسببها فايروسات تنتقل بطرق شتى من المصابين الى الاصحاء لتصيبهم بالداء العضال الذي قد لا ينجون منه وقد يسبب الموت المحقق .

وعلى مدى التاريخ فان الامراض السياسية كانت وما زالت تشكل خطرا كبيرا على المجتمعات البشرية وتطورها وتقدمها نحو تحقيق انسانية الانسان ، وصولا الى الجمهوريات الفضلى . فالافكار المتشددة لم تكن من اصول دينية فحسب ، بل ان معظم التشدد جاء نتيجة تبني معتقدات وتعاليم اكثر صرامة في تحقيق اهداف تسعى اليها جماعات تنتمي الى احزاب او تتبنى ذلك الفكر ..

وكثيرا ما ادت الامراض السياسية ، والفايروسات التي تسببت في نقلها من وسط الى اخر ، ومن بيئة الى اخرى ، بعدوى شاملة تصيب مئات الالاف من البشر . وغالبا ما تستوطن الفايروسات السياسية في بيئة ما ، لتصبح بعد ذلك مصدرا للانتشار لبيئات اخرى مجاورة .. وهكذا نجد ان بيئات معينة تبنت النازية ، وبيئات تبنت العنصرية ، واخرى تبنت الطائفية مسيحية كانت ام اسلامية ، اضافة الى الفكر الشيوعي الشمولي الذي استطاع ان يؤثر في قارة اسيا بشكل كامل ، لتنبثق دول كبرى تتبنى هذا الفكر ، والذي لم يكن نُظم حكم ، بقدر استحواذ على السلطات وفق نظريات مرسومة مسبقا اثبتت عدم جدواها وصلاحيتها للمجتمعات في الشرق او الغرب .. فقد امتد الفكر الشيوعي الى العالم العربي ، واوربا الشرقية وامريكا اللاتينية . وكانت الفايروسات الناقلة لهذا المرض ملايين الاصدارت والمنشورات من كتب ماركس وانجليس ولينين وماو تس تونغ وغيرهم من كبار قادة الفكر البلشيفي .. فلم ينتج الشيوعيون حضارات ، ولم يعمروا المدن ، ولم يرتقوا بالانسان الى مصافي ورتب الانبياء ، وقبل ذلك كان الفكر الديني الكنائسي والتيارات الاسلامية السلفية المتشددة ، وغلاة البوذية والديانات الاخرى ، مصدرا خطرا لانتشار امراض معدية سرعان ما تلوثت بها بيئات كانت نظيفة الى حد ما ، وخالية من فايروس الوباء ، مثلما تلوث العراق بفايروس البعث الصدامي .

وهناك اوجه تشابه عديدة بين الفايروسات التي تنقل الامراض المعدية وتلك التي تنقل الافكار السياسية المريضة .. فمتى اختلط الدين بالسياسة ، خرج من عباءته واصبح نظام حكم ، وليست مجموعة تعاليم تؤدي الى الفضيلة .. ولم يستطع احد

حتى من اولئك المفكرين الذي نظّروا للفكر والسياسة ، واوجدوا النظريات السياسية الكبرى .. لم يستطع حتى هؤلاء نفي ان الفكر مثله مثل المرض ، ينتقل عن طريق فايروسات تصيب الدماغ من بيئة الى اخرى .. ولعل مثلا واحدا من بيئتنا العربية يمكن ان يوضح ما نذهب اليه وذلك من خلال تسليط الضوء على العقيدة الوهابية التكفيرية ، وكيفية انتشارها في بيئات مجاورة ، ومن ثم التوسع الى مساحات اخرى باتجاه الشرق والغرب ، واثر هذا المرض في الفتك بمجموعات كبيرة من بني البشر في انحاء مختلفة من العالم ، خاصة في المناطق الاكثر فقرا مثل افغانستان وباكستان ، الموطنين الاصليين لفايروس القاعدة.

ولغرض المقارنة بين داعش وايبولا ، فان الاخير مرض فايروسي قاتل وخطير ، يصيب الانسان وبعض انواع القرود ، وهو من الامراض المعدية ، يتصف بمعدلات اماتة عالية .. وداعش مرض سياسي تسبب نشر فايروسه في سورية والعراق الى موت اكثر من مليون انسان وتعرض ملايين اخرين الى ترك مواطنهم ومدنهم واماكن اقامتهم تجنبا من الاصابه به او انتقال عداوه اليهم …

لقد اكتشف مرض ايبولا لاول مرة سنة 1976 ، ومن ثم ظهرت انواع مختلفة منه مسببة اوبئة تكون نسبة الوفيات فيها من 25-90 % في بعض المناطق ، وخاصة القارة الافريقية ، زائير ، والغابون ، اوغندا، السودان وللحد من انتشار هذا المرض سعت منظمة الصحة العالمية الى شن حملة اعلامية للحد منه ، والتوعية بشأن استخدام اساليب الوقاية لضمان عدم انتقاله وانتشاره الى مساحات اوسع . اما داعش المرض الذي اصبح اكثر فتكا من ايبولا ، فان المجتمع الدولي سعى الى حصر منطقة تواجده ، ومحاولة منع انتشاره الى بلدان اخرى ، وذلك من خلال اجتماعات ومؤتمرات ولقاءات ، جرت في مجلس الامن الدولي والامم المتحدة وعواصم اوربية مهمة كباريس وجنيف وبروكسل ، للبحث عن وسائل ناجعة في القضاء على هذا المرض واجتثاثه ومنع انتشار عدواه الى مناطق اوسع .