9 أبريل، 2024 10:24 م
Search
Close this search box.

بين داعش وال سعود

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان تتبع مسارات الحراك الداعشي يوصل الى حلقة مفقودة ، فان هناك تبنيا سريا لمنظمة داعش من قبل جماعات سلفية معروفة بولائها لآل سعود ، يقابله رفض علني لها من قبل جماعات الحكم ، وبين التبني والرفض ثمة سياسة واضحة ، تحتكم الى ثنائية السلطة في الدولة السعودية ، فالدولة السعودية التي نشأت بتحالف ابن عبد الوهاب وابن سعود سنة 1744 وقامت على تقاسم السلطة بينهما ، لابن عبد الوهاب السلطة الروحية ، ولابن سعود السلطة الزمنية ، هي دولة أريد لها الانفراد بالتمثيل السياسي السني، من خلال حكم يرعى ادارة شؤون السنة ، وفقه يفتي في السياق نفسه ، سواء اكانت الارادة من قبل الاسرة الحاكمة او من قبل اطراف دولية لها مصلحة من وراء ذلك ، وان هذا التوجه كان قد اشعل حروبا بين آل سعود وبين محيطهم السني ، جندوا لها ما كان يعرف بجيش الاخوان ، وهو البذرة التي انبتت كل تشكيلات حركة الاخوان المسلمين في البلدان العربية ، وكان من نتائجها حركة جهيمان العتيبي ، وهو ابن لواحد من الاخوان المنضوين في جيش الملك عبد العزيز، الذين كانت النهاية المأساوية لهم على يد ال سعود ، بعد استخدامهم في تحققيق الاهداف المرادة ، قد ولدّت شعوراً بالغبن ، فنشأ جهيمان العتيبي مثل غيره من ابناء ذلك الجيل على الضغينة للحكم القائم والتمرد عليه، واعتنق فيما بعد للسلفية ، متلمذا على يد المفتي السعودي ابن باز ، المعروف بتشدده وفتاواه الدموية ، ومن ثم شارك في تأسيس الجماعة السلفية المحتسبة منتصف ستينيات القرن الماضي ، وكانت ادبيات هذه الجماعة ، وهي في معظمها من كتابات العتيبي نفسه ، قد اكدت على أن المملكة السعودية لم تعد هي الدولة الضامنة والحارسة للتعاليم الوهابية ، حيث قسمت ، تلك الادبيات ، الحكم في تاريخ المسلمين الى أربعة مراحل ، على ضوء الحديث الشريف { تكون النُّبُوَّةِ فيكم مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ} ، والمراحل هي : خلافة على منهاج النبوة ، وملك عضوض، وملك جبري، ثم خلافة على منهاج النبوة ، مواصفاتها اتباع النبي (ص) واصحابه (رض) في قول الحق في الاحوال كلها، ونصرة دين الله والجهاد عليه، وان المسلمين اليوم ، على وفق كتابات العتيبي ، في مرحلة الملك الجبري ، لا يختارون الخليفة وإنما يفرض عليهم، علاوة على ان الحكام لم يبايعوا الناس على ما بايع عليه الصحابة رسول الله (ص) ، بل على نظام وقوانين ليس فيها من الشرع إلا ما وافق الهوى ، وعليه فان بيعتهم باطلة شرعاً بالأدلة من الكتاب والسنة، واعتبر آل سعود مثال لاولئك الحكام – وهذا الكلام على الرغم من التحفظ على اراء العتيبي كلام صحيح – وقد كانت النتيجة ان اصطدم جهيمان العتيبي بالسلطة السعودية فنكلت به تنكيلها بجيش الاخوان الذي كان ابوه احد افراده ، وقتل هو واصحابه داخل الحرم ، ولكن افكار جهيمان ما زالت موجودة في الادبيات الوهابية ، فليس تيار الصحوة ، الذي قاده سفر الحوالي، وسلمان العودة، وناصر العمر، وعايض القرني الا إنتاجا لخطاب جهيمان بلغة جديدة ، فان مذكرة النصيحة الموقعة من قبل اكثر من مائة شخصية ، الصادرة اوائل تسعينيات القرن الماضي مطالبة بإعادة أسلمة الدولة السعودية على منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وبوجوب تحكيم شرع الله في جميع الشؤون ، تشير بوضوح الى ان هذه الصحوة ليست سوى حركة في الاتجاه الذي رسمه جهيمان نفسه ، وعلى نهج جماعة السلفية المحتسبة التي اسسها ، وفي الطريق نفسها سارت داعش ، التي انبنت عقديتها على الفكر الوهابي ، فهددت بالخطر المشروعية الدينية للدولة السعودية ، التي تعد نفسها الممثل الحصري لعقيدة التوحيد ، لتصبح ، اي داعش ، هي صاحبة ذلك التمثيل ، والوارث الشرعي للوهابية بمباركة ما يعرف بشيوخ الصحوة ، من امثال سلمان العودة الذي وصف سيطرة داعش على الموصل بحركة تحرير عبر تغريدة له على تويتر ، فالآن وفي هذه اللحظة بالذات ، يتساوى من وجهة نظر داعش النظام السعودي ، بوصفه حكما جبريا ، على وفق تفسير الحديث الشريف في الخلافة ، مع كل الانظمة الكافرة والمرتدة ، طبعا ليس هناك من مستثنى من صفه الكفر من وجهة نظر داعش الا داعش نفسها ، بوصفها الفرقة الناجية ، وما عداها من مسلمين وغيرهم فرق هالكة ، هذه المعادلة القائمة اليوم ، تضع العالم كله امام خيارين ، اما القبول بالنظام السعودي كما هو ، بل وتدعيم اركانه وتقوية سلطانه ، او رفضه وتركه فريسة لداعش التي تتربص به الدوائر من اجل انهائه ، واقامة الحكومة الاسلامية على ارض مكة المكرمة والمدينة المنورة ، على الرغم من الدواعش قد سعىوا الى التعمية على هذا الهدف من خلال تسمية انفسهم بالدولة الاسلامية في العراق والشام ، ليطمئن حكام السعودية بانهم خارج دائرة الدولة الموعودة ، ولكن ادبيات داعش تطوح بهذا التطمين ، وهنا لا خيار امام العالم بكل قواه بما فيها الرافضة للنظام السعودي او المنتقدة له ، سوى القبول به كاهون الشرين ،  اعتقد ان الحلقة المفقودة هذه تنم عن ان الحكم السعودي المتهاوي امام نضال الليبراليين وجهاد السلفيين ما زال يمتلك مساحة واسعة من المناورة ، وما زال قادرا على ابتزاز العالم بالتنظيمات المتطرفة المتناسلة عن الفكر الوهابي ، ولكن هذا النظام سيجد نفسه في يوم ما ، وهذا اليوم قريب في تقديري ، امام حقيقة ان افضل السبل في مكافحة التطرف هي في استئصاله من جذوره ، ولا جذور له سوى ال سعود.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب