18 ديسمبر، 2024 6:20 م

بين داعش والاخوان: التوجه الاسلامي في الحكم.. لماذا نعارضه؟

بين داعش والاخوان: التوجه الاسلامي في الحكم.. لماذا نعارضه؟

النموذج الاسلامي في الحكم ‘او الاسلاموي علي الأصح اي النسبة تجاوزا للاسلام’ عارضنا ونعارض تطبيقه مذ كان مجرد شعارات ليس لها اي اثر في واقع الممارسة علي الارض لأننا؛ رأينا انه شعار زائف سيقود الي ممارسة مجهولة العواقب، فليس ثمة نموذج قريب في عهد الدولة المعاصرة والمجتمع الحديث يمكن القياس عليها، وان مصائر الأمم والشعوب لا يجوز ان تترك لسياسيين ينتحلون صفة انبياء فيقوموا بتجريب اهواءهم! ويكون كل شئ عرضة للخطأ والصواب!
عارضناه منذ كان مجرد توجه بلا ملامح واضحة، و بعد ان بانت ملامحه الشائهة بعد تطبيق شعاراته في ايران والسودان وتركيا وماليزيا وغزة وباكستان وافغانستان.
الدولة الحديثة للمجتمعات ‘القومية-الوطنية’ بتعقيداتها الإثنية والدينية والمذهبية و اللغوية لا تحتمل تجريب نماذج انقضت علي اخر تجربة لها اربعة عشر قرنا! والتجارب التي اعقبت تلك التجربة واخرها الخلافة العثمانية ‘الامبراطورية التركية’ كانت مثالبها اكثر من ميزاتها، علاوة علي انها لم تجد اي حظ من النقد السياسي او الاكاديمي.
فما طرح من شعارات تحت لافتة التوجه الاسلامي في الحكم و اسلوب الحياة خاطب الاهواء و الحنين للماضي ‘النوستالجيا’ وأي ماضي؟ ماضي نقل بروايات شفاهية في معظمه او كتب سميت كتب تاريخ تجاوزا و التاريخ كعلم برئ منها! فالتاريخ ليس قصص نثر للفخر بل احداث موثقة المصادر وحقائق لا تقبل التكذيب؛ ما طرح خاطب الاهواء ولم يخاطب معطيات الواقع و احتياجاته!
من الاسباب التي دفعتنا وتدفعنا لرفض و مقاومة التوجه والنموذج الاسلامي للحكم والدولة:
أولا: انه توجه يؤدي لاقامة دولة دينية، والدولة الدينية في العصر الحديث نموذج واسلوب مرفوض؛ فهذا عصر المواطنة الذي يقتضي المساواة بين الجميع في الحقوق و الواجبات، بينما الدولة الدينية تعني بالضرورة التفاضل والتمييز فاتباع الديانة’المفضلة’ لدي الدولة سيكونون بالضرورة مفضلون ومقدمون علي غيرهم بينما سيكون البقية مواطنون من درجة اقل! بل هو اسلوب لتمييز الحاكم عن المحكومين “الرعية” اذ لا يملكون سلطة محاسبته او عزله ان دعت الحاجة، وهذا يعني بالضرورة انهم ليسوا مواطنين بل ‘اهل ذمة / او اهل عهد’!! وان حقوقهم منتقصة.
تقتضي الدولة الدينية تطبيق قوانين دينية و دستور ديني ! ومنظومة القوانين الدينية في العصر الحديث تعتورها كثير من الاشكالات اقلها انها غير متسقة مع ذاتها فثمة قوانين بطبيعتها لا اساس ديني لها ‘قوانين الشركات والتأمين والملكية الفكرية و المرور’!؟
وهنا ‘في السودان’ وقفنا علي كيف تنتهي دولة الشريعة الي دولة ‘لا قانون’؟!!
ثانيا؛ الشعار المرفوع بخصوص اقتصاد اسلامي و صيرفة وبنوك اسلامية ليس الا شعار بلا مضمون، فالاقتصاد علم و العلم بالضرورة يخضع لقواعد وضعية لادينية اما الاقتصاد ‘الديني’ الاسلامي فبلا قواعد وضعية يمكن الاحتكام لها كما ان تجربة البنوك الاسلامية تقدم نموذج بلا ضوابط يمكن القياس عليها.. وبلا تجربة سابقة فليس للدولة الاسلامية التاريخية نظام مصرفي!
ثالثا؛ النهج او التوجه الاسلامي يهمل القوانين والنظم واللوائح المحاسبية وضوابط الشفافية و يعول علي ايمان وخوف كادره من عقاب الآخره في نظافه يده و طهر ذمته!
ان فلسفة الدولة الحديثة لا تقوم علي خوف العقاب بقدر ما تقوم علي فعل ما هو صائب لما هو عليه ‘فعل الصواب لذاته’ فالقيام بالعمل الصحيح لا يحتاج لحوافز او مبرر، ثم علي الشفافية والوضوح ‘حرية التعبير والنشر’.
رابعا؛ الدولة في هذا العصر ‘عصر الدولة الحديثة’ تقوم علي مبدأ العلاقات بين الاجهزة ‘المؤسسات’ لا بين افراد واشخاص طبيعيين لذا تم ابتكار ‘الشخصية الاعتبارية’ او الشخص المعنوي، والفقه الديني لا يعرف ولا يستوعب هذا المعني.
خامسا؛ التوجه الاسلامي لم يجيب علي سؤال تداول السلطة؛ بل هو لم يطرحه من الاساس! اذ ليس في الفقه السياسي الاسلامي ‘السياسة الشرعية والاحكام السلطانية’ ما يقرر نمطا معينا للوصول للسلطة و انتهاء ولايتها، انما حديث عن شوري و ‘غلبة’، صحيح ان الحركات الاسلاموية خاضت مؤخرا انتخابات تعددية في تركيا وتونس و فلسطين لكنها لا تراعي كل قواعد الممارسة الديمقراطية وليس ثمة ضمان ان تتنكب طريق الانقلابات والاستيلاء علي السلطة بالتغلب و انتزاعها عنوة!
لهذه الاسباب مجتمعة ‘وكل واحد منها باستقلال يمثل سبب كاف’ عارضنا ما سمي بالتوجه الاسلامي وسنظل نعارضه حتي يستبين قومنا اسباب تخلفنا و يعرفوا سبيل التقدم.