18 ديسمبر، 2024 11:06 م

بين خطاب التوسل والمداهنة وخطاب الإباء بون كبير

بين خطاب التوسل والمداهنة وخطاب الإباء بون كبير

ربما نحتاج أن ننتبه إلى اسلوب الخطاب المرجعي الذي نسمعه على منبر الجمعة المباركة، التي عطل الناس بركتها الإلهية بسبب سماعهم لأصوات لا تدعوهم إلى الله سبحانه، بقدر ما تدعوهم إلى الدنيا والانغماس فيها، فمن العجيب بعد الخطبة الأولى التي كان عنوانها عاشوراء ومسألة إحياء الشعائر، وكان الخطيب متفاعلا ونبرة خطابه تنبئ بشيء من الانفعالية ولا أقول الثورية، لماذا؟ لأنه كما قال : (عاشور حياتنا، عاشور هواؤنا) قالها بانفعال واضح وكأنه يخاطب سامعا بذهنه، بيد أن الواقع المعاش بعيد عن واقع عاشوراء تماما، فالحسين(ص) لم يخرج أشرا ولا بطر ولا ظالما ولا مفسدا، بل خرج طلبا للإصلاح في أمة جده يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والآن لنعرض واقع المؤسسة الدينية التي تدعي الانتماء إلى عاشوراء الحسين(ص) ونزنها برسالة الحسين(ص)، هل هناك إصلاح بعملية سياسية أهلكت الحرث والنسل والمؤسسة راعية لها بل هي الاب الروحي الداعم لها؟؟ هل وجدنا في الخطاب أمر بمعروف ونهي عن منكر؟؟ من أعطى لهذه المؤسسة الحق في قيادة الأمة؟؟ ما اختلاف هذه المؤسسة عن باقي المؤسسات الدينية الأخرى؟؟
هذه الاسئلة وغيرها كثير ينبغي للناس أن تتنبه لها وتسأل هذه المؤسسة بأي حق تداهن الفساد، وبأي حق تقرر للناس مصيرها؟؟ وبعد نهاية الخطبة الأولى ذات الصبغة الدينية العاطفية الواضحة، يفاجأ المتابع بأن الخطبة الثانية خطبة توسلية بالنواب ومجلسهم الذي لم يجرؤ على محاسبة نائب يأخذ من أموال الشعب مبلغ قدره (59 مليون دينار) ثمنا عجيبا غريبا لعملية (بواسير)، وآخر عشرة ملايين لتقويم أسنانه، والقائمة تبدأ ولا تنتهي، وهذا للأسف المعلن، أما ما خفي فهو أعظم، وخطيب الجمعة يتوسلهم بـ(يرجى إقرار القوانين وعدم ترحيلها إلى الدورة القادمة، ويرجى أن تفعلوا كذا، ويرجى …)، وهذا الخطاب التوسلي لا يتناسب مع حال الخطبة الأولى، فلم يكن الحسين(ص) مداهنا للفساد حتى يأتي الخطاب الذي يلقى من منبر هو في حضرته خطاب مداهنة للفساد، وليتها مداهنة الند للند، بل مداهنة توسل لمؤسسة تدعي أنها تمتلك العصا السحرية في تغيير المعادلات في العملية السياسية، ولكنها لا تفعل!! فماذا يعني ذلك وهي ترى الفساد والمفسدين بأم عينها؟؟
وكذلك نراه في النقطة الثانية ينتقل انتقالة إلى الخدمات ولكن كذلك راكبا الطريق الإلهي فيدخل إلى الحديث عن الفساد الاداري الذي لا يخفى من باب السماء، وليعلن وكأن المطر سيتحول في العراق من نعمة إلى نقمة، وبنفس النفس التوسلي وبنفس المداهنة ينتقد الفساد الواضح ولكن بلغة سياسية تليق بساسة يكذبون ولا يستحون من الكذب لأن سياستهم مبنية على ما يصطلحون عليه بـ(فن الممكن)، وهذا الممكن لا يتاح دائما بالطريق المشروع، فهناك مواقف لابد فيها من الكذب ليعبر السياسي المأزق الخانق، فالسياسي دائما يراهن على الوقت، ولا يراهن على المنظومة القيمية مطلقا!!
ولعل منطلق الخطبة ينبع من موقف المرجعية في الضغط على الجهات السياسية المتنفذة بالعملية السياسية لتمرير قانون الانتخابات الجديد، بعد أن فشل ممثلو صناديق الاقتراع في إقرار القانون، والخروج من مأزق أوجده مخالفاتهم الواضحة للمنظومة القيمية الإنسانية، إن ما يدعونا جميعا إلى مراقبة خطاب المرجعية لأنه أخطر خطابات المرحلة، فهو خطاب ديني الثوب، ولكنه دنيوي القلب والحركة، فهو يتوجه في مرات كثيرة ليكون داعما يسند عملية الفساد المتراكم التي تنبئ بسقوط ما يجتهد المتنفذون والمستفيدون بأن يجعلوه واقفا على قدمين وإن كانتا خاويتين، فتأتي المؤسسة الدينية برصيدها من الناس المختطفة من طريق الله، لتسند بهم وضعا آيلا للسقوط، فما يؤسس على رمال فأساسه رمال وإن اجتهد البناؤون في خداع الرائين بأن علو البناء وزخرفته قد تنسيهم أنه بناء اساسه رمل!!
لاشك في أن المؤسسة الدينية بخطابها الرسمي اليوم إنما تعلن صراحة أنها الراعي الأبوي الرسمي لهذه العملية السياسية ولكل الساسة المشاركين فيها وبذلك فكل هذه المصائب التي تجنيها الناس؛ مؤسستهم الدينية هي من يتحمل المسؤولية، وإلا بربكم ماذا يعني أن الأمم المتحدة عبر ممثلها تثمن موقف المرجعية في إقرار قانون الانتخابات الجديد؟؟ وهذا خبر نشره موقع تابع لها وهو (http://www.alforatnews.com/modules/news/article.php?storyid=40524)، ولو تساءلنا : من هي الأمم المتحدة؟؟ أليست هي التي كانت تنظر بعين الشامتين لأهل العراق وهم يسحقون تحت وطأة الحصار الاقتصادي الذي انتفخت فيه بطون النظام البعثي وأزلامه، وسحق البسطاء من الناس، بل وأماتهم جوعا ، وألجأ بعضهم إلى بيع أعراضهم وكراماتهم بسوق النخاسة كي يحصلوا على ما يسدوا به رمقهم؟؟
هل نسي العراقيون دور الأمم المتحدة اللا إنساني في أيام نظام البعث المقبور لما شردت بقراراتها الظالمة أكثر من خمسة ملايين إنسان وأفرغت البلاد من الطاقات، وكانت بكل قراراتها عونا لصدام اللعين على هذا الشعب المسحوق، واليوم عادت تعمل بنفس المعطف القديم، ولكن مع المؤسسة الدينية هذه المرة، فوا أسفاه على هذه الغفوة العجيبة من الناس، ووا أسفاه على من باع دينه بدنيا غيره، ومؤسف جدا أن نرى أيام الحسين(ص) تسخر وتجير للدعاية للباطل، تجير للفساد وهو من خرج لمحاربة الفساد، وتجير للباطل، وهو من خرج لمحاربة الباطل، وتجير للذلة، وهو أبي الضيم القائل : هيهات منا الذلة … إن القلب يقطر دما من هذا الحال المزري الذي يعيشه الناس، هل كانت ثورة الحسين(ص) لنصرة قانون الانتخابات مثلا؟؟ هل كانت ثورته لدعم الأمم المتحدة الممثلة بسرجون مستشار يزيد(لعنه الله)؟؟؟ أما آن للناس أن ينتبهوا؟؟؟ لا أقل انصفوا الحسين(ص) ولا تحشروه بهذه الأمور التي هي إعادة إنتاج لقتله، وإنتاج لقتل ثورته في كل سنة ومع كل مناسبة يستغل فيها اسم الحسين(ص)، إلى متى يبقى الحسين(ص) يقتل والناس تبكي عليه، وهي تلوك بأسنانها هريس الحسين(ص)؟؟ إلى متى؟؟
والآن اضع بين ايديكم مقتطفات من خطاب وارث الحسين(ص) يماني آل محمد(ص) وأنتم قارنوا بين الخطابين وانظروا : [وبعض المتشيعة يصفون المعصوم بصفات اللاهوت المطلق التي لا يمكن أن يوصف بها غيره سبحانه فهم بحسب عقيدتهم بالمعصوم يحكمون على الحسين الحقيقي الذي قتل في كربلاء انه مجرد مدع كاذب وحاشاه صلوات الله عليه ولهذا أقول إن هؤلاء هم أشقاء قتلة الحسين عليه السلام وإن كانوا يدّعون أنهم يبكون على الحسين والله هم كاذبون منافقون لا يبكون على الحسين بن علي الذي قتل في كربلاء وسبيت نساؤه وهتك حرمه بل يبكون على حسين آخر لا نعرفه حسين هو وليد أوهامهم ونفوسهم المريضة التي لا تقبل الإيمان بالحسين عليه السلام الإمام الحقيقي المنصب من الله ; الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله هؤلاء يبكون على حسين لا وجود له في ارض الواقع حسين يضفون عليه صفات اللاهوت المطلق تعالى الله علوا كبيرا لأنه لو كان موجودا في ارض الواقع لما تمرد عليه إبليس إن حسينهم الذي يدّعون البكاء عليه هو وهم في أفكارهم كآدم الذي في فكر إبليس تماما فإبليس يقول هذا آدم الذي أمرت بالسجود له أنا مثله بل خير منه بحسب الظاهر فلا اسجد لمن هو مثلي أو دوني بحسب نظري أما آدم الذي اقبل السجود له فلابد أن يكون خيرا مني. انتبهوا أيها المؤمنون والمؤمنات إلى هذا جيدا فإبليس بين سبب رفضه للسجود أو الانصياع لآدم وطاعته وقال أنا خير منه {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}(الأعراف:12) .](من خطاب الخامس من محرم الحرام لعام 1432هـ ق)، وقال أيضا : [ولِهذا فَهُم مَثَلاً عِنْدَمَا يَقولونَ إنَّنَا بَكِينَا على الحُسينِ والبكاءُ على الحُسينِ سَيُدخِلُنا الجَنَّةَ فاللهُ بِغايَةِ البَسَاطَةِ يقولُ لَهُم: يا علماءَ الضلالِ إنَّ عَمَلَكُم ذَهَبَ (هباءً منثوراً) (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً)، لأنَّكُم لَمْ تَبْكُوا على الحُسينِ الحقيقي (ع) بَلْ بَكَيْتُمْ على حُسينٍ في أوهامِكُم لا علاقةَ لَهُ بِالحُسينِ بنِ عليٍّ (ع) لا مِنْ قريبٍ ولا مِنْ بعيدٍ فَعَمَلُكُم (هباءً منثوراً) ، تماماً كَمَنْ جاءَ بِقُطعَةِ حديدٍ وغرسَها في الصحراءِ وصبَّ عليها نفطاً وهوَ يقولُ إنّي غرستُ نَخلَةً في بستانٍ وسقيتُها ماءً عَذْبَاً، في النهايةِ سيجِدُ أنَّ عَمَلَهُ بلا قيمةَ، (هباءً منثوراً)، وأنتم كَمَنْ سَبَقَكُم تَطلِبونَ أنْ يَقْهَرَكُم صاحِبُ الحقِ على الإيمانِ فلا تَقبَلونَ أنْ يَكونَ صاحِبُ الحقِ مِثلَكُم ولَكِنْ لِطهارةِ نَفسِهِ وإِخلاصِهِ قَدْ فَضَّلَهُ اللهُ عَلَيكُم وأمَرَكُم بِاتِبَاعِهِ، في حينِ أنَّ اللهَ يَرُدُّ على هذا المنهجِ الابليسيِّ المنكوسِ ببساطةٍ يَفْهَمُهَا كُلُّ مَنْ يُريدُ أنْ يَفْهَمَ بِقَولِهِ: ( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) (الفرقان : 20)
((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ )) ؟
أ تَصْبِرونَ ؟
هيهاتَ لو كانَ قدْ صَبَرَ الذينَ مِنْ قَبْلِهِم لَصَبَرُوا هُمُ اليومَ  (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات : 53]
إذَنِ اللهُ يُقرِّرُ الأمرَ بِبَسَاطةٍ واضحةٍ جليةٍ وهُوَ أنَّ الرسولَ امتحانٌ لَكُم والنجاحُ في الامتحانِ لا يكونُ بتمزيقِ أوراقِ الامتحانِ، بصورةٍ عبثيةٍ عشوائيةٍ كما تَفعلونَ أنتُم، بَلْ لابُدَّ مِنْ قِراءَةِ مادةِ الامتحانِ لِمَعْرِفَةِ الجوابِ الصحيحِ .].