23 ديسمبر، 2024 8:44 م

بين حمار الحكيم.. وحمار وجيه

بين حمار الحكيم.. وحمار وجيه

كتب الاديب والمسرحي توفيق الحكيم سلسلة مقالات بعنوان (حمار قال لي).. وهو يتحدث فيها عن الواقع المصري وهيمنة المادة على القيم والمبادئ.. والفساد الإداري وتفشي النفاق في المجتمع.. ثم كتب رواية اسماها (حمار الحكيم).. وكتاب: (حماري وعصاي والآخرون).. والحكيم يعتبر الحمار كائن مقدس.. وقد نشأت بينه وبين الحمار صداقة وألفة وصارا صديقين حميمين.. فكان يكتب تأملاته ومناقشاته السياسية والاجتماعية والثقافية النقدية امام رفيقه الحمار.. يرافقه في المناقشات ويحاوره ويستريح له ويحبه ويستحسن لو كان لا يعانده.. لم يجد الحكيم افضل من رفيق دربه وصديقه الحمار صديق وفي له.. والذي اصبح اشهر حمار بعد حمار جحا بسبب تلك المناقشات التي دارت على لسانه مع الاديب توفيق الحكيم.. وقد سماه (الحمار الفيلسوف)..
اما حمار وجيه فله مغزى وغاية.. والغاية غنية بقدر كافي لاضافة معلومة او فكرة.. او حتى محاورة ساخرة.. ورغم ان وقفات وجيه مع حماره قصيرة الا انها ممتعة ومعبرة.. فحمار وجيه يضيء جزء منسي ومهمل في عقل الكثير من الناس.. فالحمار يرمز للصبر والتحمل والاهانة والاهمال.. الا ان صاحبه لا يستطيع الاستغناء عنه!! لانه صامت وكاتم حزنه.. وصابر رغم كل ما يعانيه ويكابده..
وجيه يشعر بحميمية وهو يضع صديقه الحمار بالقرب منه.. والحمار ينظر الى وجيه وكأنه يثني عليه.. رغم مرارة الحمار لانه كائن يعيش غريب في الدنيا.. ويفتقد لأبسط الحقوق التي يتمتع بها اقرانه من الحيوانات الاخرى..!!
ورغم ان الحمار كائن يحقر الناس من شأنه دوما.. الا ان وجيه اتخذه صديق يحاوره ويسأله ويشكي له همومه..!! والحمار يتأمله وكأنه فيلسوف عرف الكثير وهظم الكثير.. وصبر حق فاق صبره كل الحيوانات غير الناطقة!!
وجيه لا يتوقف عن سؤاله وهو يحاوره في كل صغيرة وكبيرة.. ويقرأ له قصائد مديح.. ويسأله عن منجزات هذا المسؤول او ذاك.. وعن اخفاقات ومظالم هنا وهناك.. والحمار يتأمل.. ويعجب بجرأته في تعريته للبعض ممن يسمون انفسهم مسؤولين وهم بعيدون عن الناس ومعاناتهم.. ودفاعه عن الانسان البسيط والمسحوق.. وجيه يعطف على هذا الحمار.. يتأمله ويأخذ في بعض الاحيان الحكمة والوعي والمسؤولية من صمته..!!
الحمار دائما ما ينظر الى وجيه ولا ينظر الى الكاميرا.. كانه يحس ان وجيه هو الصورة والصوت الناطقتين باسمه..!!
ووجيه دائما ما يكلمه ويدعوه الى الاصغاء لقضايا ومفارقات واختلاسات وتنازلات وصفقات.. ومعانات لا تعد ولا تحصى.. والحمار صابر.. ورغم كبته لهمومه فهو يبتسم..!!
ولكن وجيه لا ينتظر ولا يصبر او يصمت مثل صديقه الحمار.. بل يقول له: انا اتحدث بصوت عالٍ لأنني مسؤول.. انطلاقا من الحديث الذي يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).. اتحدث بلسان الصامتين.. اتحدث بلسان المتعبين.. اتحدث بلسان الفقراء والمساكين.. اتحدث بلسان الحمالين وباعة البسطيات.. وعمار البناء والكادحين.. اتحدث بلسان الجنود والمتطوعين.. اتحدث بلسان الاكثرية المغبونة.. المذبوحة دائما.. اتحدث عن سرقة ثرواتهم واعطائها بغير حق لغيرهم.. الحمار لا تزعجه مفردات وجيه المحرمة الممنوعة والمكتومة عند البعض.. بل يطرب لها.. ويتمنى ان يقبل صديقه.. الا انه لا يريد ان يقطع حديثه ويشغله عن تكلمته.. لان فيه سعادة له.. وتعبير عن احاسيسه ومعاناته وصبره وتحمله.. الحمار له احساس عال بصديقه وجيه لانه يبادله الاحساس والهموم ولا يسخر من مشاعره.. او يسكت عن المطالبة بحقوقه وبحقوق الاكثرية الصامتة.. ويشعر ان وجيه اصبح الناطق باسمه..!!
وجيه حرك احساسنا تجاه هذا الحيوان غير الناطق..!!