19 ديسمبر، 2024 5:50 ص

بين باريس وبغداد….ثمة فوارق كبيرة

بين باريس وبغداد….ثمة فوارق كبيرة

بعد أحداث باريس الأخيرة تعاطف كل العالم مع فرنسا وشعبها بشكل عام ومع أسر الضحايا بشكل خاص, فمنهم من أشعل الشموع لذكرى الذين سقطوا في الاعتداءات ومنهم من اعتصم لأيام في مكان الحادث ورفع شعارات السلام ومنهم من وقف صامتا حدادا على أرواحهم ومنهم من رفع الإعلام الفرنسية والبيضاء على شرف شققهم لأجل السلام, وبدأت النقاشات تدور في المقاهي حول ما جرى وعقدت الندوات عبر وسائل الإعلام واستغلت الساعة الأولى من الدوام في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية, أما السياسيون وعلى مستوى رئيس الدولة ورئيس الوزارة ووزير الداخلية و كبار رجالات الأمن فقد حضروا إلى أماكن الأحداث في ساعة وقوعها وشاركوا الآلاف في عزاءهم وعقد البرلمان جلسات استثنائية واتخذ إجراءات احترازية لتفادي المزيد ولم يهنأ للدولة ومؤسساتها ذات العلاقة بال حتى اكتشفوا كل خيوط الجريمة وخلال يومين فقط, شركاء فرنسا في الاتحاد الأوربي وقفوا معهم وقفة رجل واحد وقدموا العون بكل ما أوتوا من قوة وحلفاؤها من أمريكان وبريطانيين وحتى من دول الشمال الإفريقي كالمغرب قدموا معلومات مهمة أوصلتهم لكشف خلايا إرهابية أخرى, لم تسجل حالة انتقام واحدة ضد مسلم أو عربي بل ولا حتى مضايقة علما أن المتهمين من منفذين ومخططين ومتعاونين ومن آواهم جميعهم مسلمون ومن أصول عربية ولم تسمح الدولة بإقامة أي تظاهرة أو رفع أي شعار أو توزيع أي منشور أو القيام بأي تجمع حفاظا على لحمة الشعب الفرنسي بكل أطيافه, توجه الآلاف نحو مراكز التبرع بالدم وكنت واحدا من بينهم, حصلت على امتنان وشكر الجميع لأن الكل عرفوا أنني مسلم وعربي عراقي لكني ضد الإرهاب وجئت متبرعا بدمي ذو الصنف النادر لإنقاذ حياة إنسان, أوصلت رسالة مفادها أن الإسلام دين تسامح ومحبة وليس دين قتل ورهبة, ثقافة حرصت تلك الشعوب على إفشاءها بين أفراد المجتمع, لم نسمع يوما أن فرنسيا قتل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بدافع الانتقام ولم نسمع أن فرنسيا أنتقم من جزائري لأنه قتل أباه أو جده أيام احتلال فرنسا للجزائر, صفحات تاريخية طويت وأصبحت تدرس في الكتب ليتخذ منها الناس عبرا كي لا يكرروا ما فعل إباؤهم وأجدادهم, بلد يدعو للتعايش السلمي بين كل الأطياف, في مواقع التواصل الاجتماعي اعترض الكثير من العراقيين على تعاطف العالم مع فرنسا في حدث واحد ولم يذكر احد العراق رغم مئات الحوادث المشابهة التي أودت بحياة الآلاف من أبناء العراق الأبرياء, بالتأكيد هو حق مشروع أن يعتب العراقي على من لم يذكره لكنه نسي أن ما جرى وما يجري هو من فعل أيدينا قبل أن يكون من فعل الغرباء, ازدهرت الطائفية وشجعها السني والشيعي على حد سواء, بالفعل أو القول أو وقف متفرجا, كلاهما استباح دم الآخر, الكثير يلوم المحتل و جهات خارجية ولا يلوم نفسه لأنه هجر أخيه الذي كان يعيش معه بالأمس من بيته ومنطقته ومدينته لا لشيء فقط لأنه من طائفة أخرى, هذا يغير على منطقة ذاك ويقتل وذاك ينصب سيطرة وهمية ليقتل الآخر على الهوية, إمام هذه الجماعة يثير البغضاء والحقد ضد الآخر وإمام تلك الجماعة يشجع جماعته على الانتقام من الأخر وهكذا حتى استغلت قوى الإرهاب الشريرة من داعش وأخواتها هذا الاقتتال والبغضاء بين الإخوة ليحتلوا ثلث العراق ويقتلوا ويغتصبوا ويسرقوا ويعذبوا ويفعلوا ما لم يفعله البرابرة والمغول قبل ألف عام, دول حولت العراق إلى ساحة تصفية حسابات ضد بعضها البعض مستغلة ضعف

الحكومات وسكوت الشعب وتناحره بخلافات لا أول لها ولا آخر, برلمان لم يستقدم يوما رئيس الوزراء آو وزير الداخلية أو الدفاع أو المسئول الأمني ليحاسبه عما حل بالبلد, وإن استقدمه تدخلت كتلته وعتمت على الموضوع وتمت التسوية مقابل السكوت عن فضائع الآخر, قتل يومي وبالجملة , لم يكلف الوزير المعني نفسه بفتح تحقيق لما يجرى, وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة_منذ سقوط بغداد وليومنا هذا وبشكل يومي ومن دون انقطاع_ لم تخل من خبر فيه قتل وانفجار وعبوات وأحزمة ناسفة وتكتفي بالجملة المعهودة (( نقلت جثث القتلى إلى الطب العدلي فيما نقل الجرحى إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج)) وانتهى الخبر ومر يوم و آخر وهكذا وكأن من قتل ذبابة أو حشرة وليس بشرا تركوا خلفهم أمهات ثكلى وزوجات أرامل وأطفال أيتام وآباء يعتصرهم الألم وتقتلهم الحسرة على فقد فلذات أكبادهم, ساسة لا هم لهم سوى جمع الأموال واحتكار المناصب وشعب لا هم له سوى البحث عن من هو أحق بالخلافة قبل أربعة عشر قرنا, أ علي أم عمر؟؟؟ الفرق يا سادتي بين باريس وبغداد, هو أن باريس التي وقف رئيسها والدمع في عينيه وهو ينظر إلى موقع الحادث, توعد بأن يحمي فرنسا ويقضي على الإرهاب وسيفعلها لأن ولائه لفرنسا وليس لغيرها , وبرلمانهم الذي اجتمع بالكامل رغم المعارضة و اختلاف الأفكار ليخرج بحلول موحدة لحماية البلد, وبرلماننا لم يكتمل حضوره يوما إلا عند مناقشة قوانين امتيازاته وساستنا تخفي رؤوسها في التراب كالنعام ولا تعرف الولاء إلا للتيار الذي أوصلها والحزب الذي رشحها والطائفة التي تنتمي لها والصفقات التي ستحققها عند وصولها للمناصب, رئيس أعظم دول العالم وعضو في مجلس الأمن لا يملك سوى شقة ما زال يدفع أقساطها للبنك وسيعود إلى عمله كأي فرنسي بعد أن تنتهي ولايته وحفاة بين عشية وضحاها صاروا يتصدرون قائمة أغنى أغنياء العالم , يحتكرون المناصب ويتنقلون بين منصب وآخر وكأنها إرث ورثوه عن أبائهم برغم مئات ملفات الفساد التي تدينهم والتي يغلقها القضاء لأنه جزء من العملية؟؟؟ الفرنسي لم يقتل أو يعتدي أو حتى يحيد بوجهه عن زميله العربي والمسلم لأن ثمة جناة سفلة قتلوا المئات بل وقف مساندا للعرب والمسلمين في فرنسا, ونحن أهل القرآن الكريم الذي يعلمنا أن لا تزر وازرة وزر أخرى نقتل ونسفك دماء أبناء شعبنا على الاسم والهوية, وثمة فوارق أخرى بين باريس وبغداد لا ترقى إلى المقارنة؟؟؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات