تشكلت التخندقات الطائفية بعد عام 2003، لتعلن بداية حقبة جديدة، دشنها الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد انهيار المؤسسات العامة للدولة، وحل الجيش، ونشر الفوضى الهدامة في النظم المجتمعية، حيث كانت دولة الديكتاتور الضامن الرئيسي لها.
طبقا لذلك تشكلت كتل طائفية، ثبتت وسميت مكوناتها في الدستور، لتباشر أعمالها السياسية وفقا لخلفياتها الفئوية، بين رافض للعملية السياسية حزنا على مجد مضى، وبين متمسك بهويته الطائفية، لأنه فقد أبسط حقوقه فيها، طوال سنوات حكم الديكتاتور، وثالث يتوق للتعايش مع مركز ضعيف وأطراف متمردة، إلى أن يتحقق حلم الآباء والأجداد، بتكوين الدولة الحلم “مهاباد”.
نتيجة لتلك التشكيلات، تولدت حكومات ضعيفة، لا هي مركزية، ولا تملك عقلية الفدرالية، فكثرت المشاريع الطائفية والقومية والحزبية وتنازعت، وكثر سراق المال العام، وغاب صوت الشرفاء، وتبددت ميزانيات ضخمة، وفسدت القيادات العسكرية، فأنهار الأمن، وضاع ثلث الوطن، وانتهكت الأرض ودنس العرض، فغاب مشروع الوطن…!
التحالف الوطني أكبر الكتل السياسية، والمؤثر الأول فيها، وقد أنجب جميع الحكومات السابقة، إلا أن حزب الدعوة الإسلامية سيطر على الحكم لكل الدورات المتتالية، وشكل ائتلاف دولة القانون ليستأثر بالحكم، بعيدا عن شركائه في التحالف الوطني.
لكن إرادة المرجعية غيرت المعادلة، وعاد الحكم للتحالف الوطني بعد موته سريريا، إذ دأب زعيمه الجديد بإعادة مأسسته، وتشكيل لجانه، وقام مع أعضائه بجولات محلية وإقليمية، كان لها الأثر في التحولات السياسية الحالية، وها هو اليوم يترك رئاسته، لتبدأ مرحلة جديدة من التغيير المفيد والقسري….!!
هذه التحولات الجديدة خففت من وطأة الطائفية والقومية، وأدت الى تكسير التخندقات الطائفية، كالمجلس الأعلى والحزب الإسلامي، وانهيار تحالف القوى، وتشظي التحالف الكردستاني، ليظهر معها صوت وطن ضائع، بدأ يعلو مع حصاد الانتصارات الكبيرة للقوات الأمنية البطلة في الموصل وتلعفر.
صوت الوطن يعلو أيضا، عندما يقل تأثير الأصوات الخارجية، وهذا ما لا تناله الأمنيات، وإنما يجب العمل عليه، كون البلد محاط بثلاث بلدان (إيران -تركيا -السعودية) كبيرة ومؤثرة في الساحة الوطنية، فالابتعاد عن لعبة المحاور، ومد جسور التواصل بينها، يخفض حدة التوتر داخليا، ويجلب منافع أمنية واقتصادية وسياسية للبلد.
هذه المشاريع والرؤى الوطنية، كمشروع الأغلبية العابرة للطوائف، ومد جسور التواصل سياسيا بين دول الإقليم، كبديل عن صراع المحاور، تحتاج إلى قيادة تمتلك القرار الداخلي الجريء، والحكمة في التعاطي مع الأحداث الخارجية، فهل ان الشارع العراقي يستطيع التشخيص في الانتخابات القادمة، أم أن بؤس الفساد والطائفية، وعقيدة المحاور هو من سينتصر مجددا؟