23 ديسمبر، 2024 4:46 م

بين اليزدي والسيستاني .. سقوط بابل

بين اليزدي والسيستاني .. سقوط بابل

البريطانيون اعتبروا انزواء الشيخ محمد كاظم اليزدي في بيته إذناً وعلامةً لقمع انتفاضة النجف الأشرف ضدهم عند بداية دخولهم العراق . وقد ارجع المحللون هذا الموقف اليزدي الى احتمالين ، الخوف او التقاء المصالح الخاصة له مع مصالح البريطانيين .

لكن النتيجة كانت واحدة دائما ، فقد اندثرت معالم الثورة ، وامست هذه اللحظة بداية لتاريخ جديد ، صار فيه العراق فريسة ، بعد ان كان فارسا . واستلب البدو كنوزه ، فانخفضت نسبة التجار الشيعة من 90 % قبل الاحتلال البريطاني الى 40 % في منتصف الثلاثينات ، وبالطبع ان الأثرياء وحدهم من كانوا يستطيعون تعليم أبناءهم وصنع حضارة مادية . وفي بداية العشرينات انكسرت عرى اوثق حلف قبلي عراقي ( المنتفك ) بعد ان تدهورت عوامل الثقة بين احلافه الثلاث ، إذ انفرد بنو مالك بثورة 1919 م ضد البريطانيين ، وتمزق بنو سعيد الى درجة الإبادة حين تصارعوا بينهم . وانقطعت خيوط التواصل بين الجماهير العراقية وبين الطبقة السياسية ، اللتان كانت تجمعهما أنامل المرجعيات الدينية وحوزاتها ، فراح السياسيون ينفردون بالقرار وينزلقون عن ساحة المراقبة ، وراح الناس يجهلون حقوقهم السياسية . فيما تم خداع شيوخ ورؤساء القبائل العريقة التي كانت بحكم الإمارات بنظام العسكرية ، فاُستلب أبناءهم تحت صدى عنوان ( فوج موسى الكاظم ) ، وهم يظنون انهم سيدفعون العدو عن عرين الكاظمين والعراق ، لكنّ الحقيقة التي ظهرت لاحقاً انهم صاروا عبيداً لاعداء الكاظمين والعراق ، وباتوا مرتزقة تحت أيدي حلفاء البريطانيين دون بصيرة .

وانقسم رجال الدين امام هذه المفارقات الى قسمين ، احدهم يحسن الظن بأية عمامة بسذاجة ، او تستجلبه المصالح والمنافع الشخصية الى جحور الجور ودهاليز الصمت ، لاسيما الذين لا تربطهم بهذه البلاد ملوحة ولا دم ، والآخر ينتفض حرقةً لعراقه ومبادئه ، لكنه مستلب الإرادة والقدرة ، خصوصاً مع عدم تورّع الفريق الأول ودناءة أدوات قادته وموجهيه .

واليوم يعيد التاريخ نفسه ، فيقرأ الامريكان انزواء مرجعية السيستاني – مع اعتبار عنونتها بالعليا – علامةً وإذناً لاستلاب البقية الباقية من كرامة العراقيين ، وحلب ما تختزنه الأرض من ثرواتهم .