مع اقتراب كل موسم انتخابي، تتصاعد وتيرة الاتهامات بين السياسيين، ويُعاد تدوير مصطلح بات مألوفاً في الخطاب العام: “هذا مجرد دعاية انتخابية!”. يُقال هذا لوصف أي نشاط يقوم به مرشح، مهما كان بسيطاً أو خدمياً أو تواصلياً.
لكن، هل كل ما يُنجز في فترة الانتخابات هو محض دعاية؟ أم أن خلف هذا الاتهام تكمن نوايا لتشويه كل محاولة جادة للاقتراب من الناس؟
لقد تحوّل هذا المصطلح من توصيف إلى تهمة. فأصبح مجرد فتح مرشح لقاعة أو تعبيد طريق أو زيارة سوق شعبي كفيلًا بجعل خصومه يغمزون قائلين: “انتخابات!”، كأن العمل الميداني أو التفاعل الإنساني لا يُحسب إلا بمقاييس المصلحة الضيقة. وهذا للأسف يُربك الناخب، ويضعف ثقته بالجميع، ويخلق نوعاً من التبلّد في تلقي أي مبادرة سياسية حتى لو كانت صادقة.
لكن الحقيقة الأهم أن السياسة لا تُمارَس فقط من خلف “المايكروفونات” ولا عبر البيانات. المرشح الجيد هو الذي يحتك بناسه، يستمع، يتفهم، ويقدم حلولاً، سواء كان ذلك قبل الانتخابات أو بعدها. ومن لا يملك الجرأة على الوقوف في الشارع أو تحت خيمة حوار شعبي، لا يستحق أن يتصدر المشهد.
الناخب العراقي اليوم أكثر وعيا مما يُظن. وهو لا يُخدع بسهولة، لكنه في ذات الوقت، يتوق لمن يُشعره بأنه مرئي ومسموع. لهذا، فإن المرشح الذكي لا يُنفق وقته في تبرير نواياه، بل يُحسن فعلا، ويجعل من كل نشاط نافذة للثقة.
وفي المقابل، على الجمهور ألّا يُسقط مسبقاته على كل من يتحرك في الميدان. فالمقياس ليس التوقيت، بل المصداقية.
ولعلنا، ونحن نتابع الاستعدادات لانتخابات جديدة، بحاجة إلى أن نُعيد تعريف “الدعاية الانتخابية” لا بوصفها خدعة، بل كفرصة: إما لتقوية الارتباط بين الناس وممثليهم، أو لفرز القشور عن اللب.