قبل عقود نشر الأديب الراحل رشدي العامل قصة قصيرة تدور أحداثها في جامعة بغداد أواخر الخمسينيات حيث كان الصراع السياسي المحتدم بين الشيوعيين والقوى القومية يدور في أوساط كثيرة، منها الوسط الطلابي،وقد عبّر فيها عن شكل الصراع واصفاً الطلبة بأنهم كانوا يتناقشون مثل فلاسفة اليونان ثم يتشاجرون كمصارعي الرومان!.
هذا الوصف يصدق اليوم على حال الحوارات التي تجري على المنابر وعبر الشاشات، فما أن تمضي دقائق حتى يتحول الحوار إلى زعيق وتبدأ مقاطعة كل طرف لطرف آخر وتنطلق عبارات العناد والمهاترة والإتهام والخروج عن مادة الحوار، وقد يمتد إلى العبارات المهينة ، وكثيراً ما يطيب لمن يدير الحوار إذكاء الفتنة وتسخين النقاش لأن مقياس نجاحه في إدارة الحوار مرهون – من وجهة نظره – بمستوى مهارته في إثارة أعصاب المتحاورين في مرحلة صارت فيها الإثارة هي الهدف !. هذا الوضع يدفع كثيراً من المفكرين إلى النأي بأنفسهم عن مثل هذه الحوارات التي شهدنا في بعضها تراشقاً بالألسن وضربا بالقناني والكراسي.
ليست هذه حواراتٍ لمن يبغي الأمانة والبحث عن الحقيقة، فالتسلّح بالحجة ، والتحلي بالهدوء، واحترام المحاور، والعدالة في إتاحة الوقت، وتركيز التفكير والتعبير على نقاط الحوار، وطرح الأفكار بنزاهة فكرية وأمانة عناصر لازمة لحوار ناضج ناجح، ودون ذلك نغدو أمام متشاجرين في سوق للخضار.