بين المقاطعة والمشاركة… من يرسم ملامح الأغلبية القادمة؟

بين المقاطعة والمشاركة… من يرسم ملامح الأغلبية القادمة؟

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة في العراق تزداد وتيرة الجدل السياسي حول ظاهرة المقاطعة الانتخابية والتي أعلنت عنها عدة قوى رئيسية وهذا الموقف الذي يتكرر للمرة الثانية على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية بات يثير تساؤلات حول انعكاساته المحتملة على موازين القوى داخل قبة البرلمان وتأثيره المباشر على الخريطة السياسية المقبلة.

أبرز ما يميز الانتخابات المرتقبة هو قرار التيار الصدري بعدم المشاركة وهو تيار يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة ويملك إرثاً برلمانياً لا يستهان به وإلى جانب الصدريين أعلنت أيضاً قوى مدنية أخرى مقاطعتها والاسباب متعددة .

في المقابل تصر قوى أخرى من أبرزها ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح على خوض السباق الانتخابي مدعومة بآليات حزبية وتنظيمية قادرة على تعبئة الناخبين حتى في ظل تراجع عام في نسب الحماسة الشعبية للمشاركة.

التجارب السابقة أثبتت أن المقاطعة الجزئية وخاصة من قوى تمتلك تمثيلاً شعبياً حقيقياً لا تمر مرور الكرام ففي انتخابات 2021 أدى انسحاب قوى رئيسية إلى إعادة توزيع المقاعد على أحزاب أخرى وبعضها لم يكن يحلم بمقاعد في البرلمان.

أن نظام الانتخابات العراقي المعمول به والذي يعتمد على الدوائر المتعددة والتصويت الفردي يجعل من انخفاض نسبة المشاركة فرصة للأحزاب المنظمة إذ كلما تراجع الإقبال الشعبي انخفضت نسبة الأصوات المطلوبة للفوز بالمقعد البرلماني وهناك مستفيدين من انخفاض نسبة التصويت؟

حيث وفق مراقبين فإن القوى التي تمتلك ماكينة انتخابية فعالة وقواعد تصويتية ثابتة ستكون هي المستفيد الأكبر من عزوف الناخبين وفي مقدمة هذه القوى تأتي التحالفات الشيعية التقليدية إضافة إلى بعض الأحزاب الكردية والسنية التي ما زالت تحافظ على كتلتها التصويتية .

وهذا الواقع قد يؤدي إلى برلمان يمثل أقلية من الناخبين فعلياً لكنه يمتلك كامل الشرعية الدستورية من الناحية القانونية لأن المقاطعة لا تعني بالضرورة أن القوى الصغيرة أو المستقلين خارج اللعبة على العكس من ذلك فإن تراجع المنافسة من القوى الكبرى قد يفتح الباب أمام المستقلين والأحزاب المدنية لتحقيق نتائج غير متوقعة وخاصة إذا ما نجحوا في تحفيز جمهورهم على كسر دائرة العزوف والمشاركة بكثافة.

لكن يبقى التحدي الأكبر أمامهم هو القدرة على التنظيم والحشد وهي نقطة ضعف تقليدية تعاني منها هذه القوى مقارنة بالأحزاب الكبيرة وعندما يكون هناك سائلا يسأل ؟ هل تعيد المقاطعة رسم الخريطة البرلمانية ستكون الإجابة الأقرب إلى الواقعية بنعم ولكن ليس بالضرورة لصالح المقاطعين لأن غياب كتلة بحجم التيار الصدري سيعيد توزيع عشرات المقاعد بين القوى الأخرى وهذا يعني أن التوازنات السياسية داخل البرلمان ستتغير وربما نشهد تحالفات أغلبية مختلفة عما كان عليه الحال في الدورة الماضية.

ومع ذلك فإن هذا التغيير لا يعني أن المشهد السياسي العراقي سيستقر بل على العكس قد يؤدي غياب أطراف رئيسية إلى زيادة الاستقطاب السياسي ويُدخل البلاد في مرحلة جديدة من التوتر خاصة إذا شعرت شريحة واسعة من المواطنين أن البرلمان القادم لا يمثل المزاج الشعبي العام.

وأخيراً فأن المقاطعة في العراق لم تعد مجرد خيار احتجاجي بل باتت أداة سياسية مؤثرة في رسم المشهد العام سواء داخل البرلمان أو في الشارع ويبقى الرهان الأكبر هل ينجح من قرروا البقاء خارج الصناديق الانتخابية في تحويل غيابهم إلى قوة ضغط حقيقية أم أن الساحة ستظل مفتوحة لمن يملك مفاتيح الحشد والتنظيم؟

الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة … حمى الله العراق والعراقيين من كل سوء ومكروه.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات