23 ديسمبر، 2024 5:10 ص

بين المطالب المشروعة وأجندات السياسيين

بين المطالب المشروعة وأجندات السياسيين

بعد ثلاث أسابيع من اعتقال حمايات العيساوي وما رافقها من تصعيد إعلامي وسياسي قادها تجار الأزمات ونواب الطائفية المقيتة في محاولة منهم لسحب البساط من تحت أقدام حكومة وطنية منتخبة شارك فيها أكثر مكونات الشعب العراقي “رغم بعض الملاحظات والإشكاليات التي تسجل عليها في ملفات الخدمات والأمن” جاءت وفق اتفاقيات سياسية خطط لها ان تنهض بالعراق من سنوات حرب طائفية عاشها ولا يتمنى ان يعود اليها ، أظهرت من خلال المراقبة الدقيقة والتحليلية ان من يقود هذه التظاهرات هم أصحاب أجندات ومخططات خطيرة بدأت تتضح معالمها وتتبين خيوطها يوماً بعد يوم .
فالمتظاهرين الذين خرجوا الى ساحات الاعتصام بالأمس كانوا يحملوا بعض الطلبات الحقيقية والتي هي جزء من حقوقهم التي أخفقت الحكومة أو قصرت وتمهلت في انجازها ، لكن بعض الذين دخلوا على خط الأزمة وحاولوا استغلال التجمعات البشرية في بعض المحافظات أججوا روح الفتنة والتعصب والتخندق المقيت الذي وجد عند البعض آذان صاغية طبلة وروجت له بمساعدة المندسين من “البعثوهابية” فتصاعدت حدة الخطاب وأرتفع سقف المطالب وتحولت بين ليلة وضحاها شعارات الخدمات الى دعوات للانفصال والقتل والترهيب ونار مستعرة يغذيها السياسيون المتمرسون بتصريحاتهم العنترية على منابر الفضائيات. 
ان التصاعد الخطير الذي شهده العراق في الأيام الماضية له أسباب ودوافع وحسابات إستراتيجية وجهود بذلها ويبذلها طلاب الحكم وأصحاب الأحلام السوداء الذين لا يروق لهم العراق في شكله الحالي ويريدون ان يفصلوا ثوب الحكم كما يرغبون ، فعقدة المذهب وحكم الأغلبية ما زالت تشكل غصة لا يستطيع اصحاب العقول المتحجرة من هضمها والتعايش معها كأمر واقع وجزء من الديمقراطية والحقوق التي يجب ان تسير عليها الدول في عصر التحولات الجديدة ، ولا زالوا يصرون على أعادة معادلة حكم الأقلية للأكثرية ولا يقتنعون انها ذهب بغير رجعة والشعب الذي نال حقه من الصعب ان يتخلى عنه بسهولة ، فتركيب الحكم الجديد أعادة بعض الحق للأغلبية الكبيرة من الشعب العراقي بعد سنوات توالت عليهم حكام وحكومات عاثت بالأرض الفساد ونشرت الظلم والموت بين العباد .
المتاجرة بأعراض السجينات وبيع سمعتهن على منابر الفضائيات المأجورة والطائفية هو اسهل ما يكون لدى من يدعون الغيرة والنخوة ، فقد نهجوا مسير التشويه لسمعة المتهمات والصقوا بهن سمعة الاغتصاب والاعتداء وداسوا على شرفهن لصالح مكسب سياسي دنيء ، فقد كشفت كل لجان التحقيق وحكماء القوم وشيوخ العشائر ممن زاروا السجون في الفترة الماضية ان أي اعتداء او تحرش واغتصاب لم تحدث في السجون التي روج وقوع الجرائم فيها ، وجرت مقابلات منفردة وبعيدة عن الضغوط مع السجينات اللاتي لم يذكرن أي حالات للاعتداء وانحسرت مطالبهن بزيادة الزيارات مع ذويهن والنظر في قضاياهن ومحاولة إصدار عفو عنهن، لذا فالسجينات مطالبات اليوم برفع دعاوي قضائية على كل من حاول استخدامهن كورقة ضغط وتشويه السمعة وإلصاق تهم وإساءة لهن .
كل من يمر بالمحافظات التي خرجت فيها المظاهرات “ديالى ، صلاح الدين ، الانبار ، الموصل” يشعر أنها مدن مهجورة او مر بها اعصار مدمر فالمواطن يعيش معانات ومأساة كبيرة فلا شوارع صالحة للسير ولا بنايات وخدمات تعطي شكل حضاري لها ، والتساؤلات التي تطرح نفسها ، أين أموال المحافظة ؟ ومتى تنهض الدوائر الخدمية بواقع البنى التحتية ؟ ولماذا لا تتحمل الإدارة المدنية المسؤولية فيها ؟ وكيف يفسر المتابع الهجمات المتتالية للجهات التنفيذية في تحميل الحكومة المركزية مسؤولية الاخفاق وتتنصل من واجبها ؟
ولعل علامة الاستفهام الأكبر التي تظهر هنا هي ان هذه المحافظات وخلال العام الماضي 2012 أعادة اكثر من ثلثي الميزانية المخصصة لمحافظاتها الى ميزانية الدولة الاتحادية فهل هذا خلل الحكومة ام من يقود المحافظة ويضع الخطط الكفيلة في صرف التخصيصات والنهوض بالخدمات ، وبدل الإقرار بالفشل ومحاولة تلافي الأخطاء والانشغال بالبناء والأعمار وجذب الشركات للاستثمار نجدهم في مقدمة المتظاهرين والمحرضين على العصيان والاحتجاجات ومحاولة خلط الأوراق امام الناس البسطاء وتصوير الاوضاع على انها استهداف مقصود لمحافظات معينة في عدم التطور والارتقاء. 
ان دعوتي الى إخواننا وأعزاءنا من ابناء محافظاتنا العزيزة التي خرجت بتظاهرات مطالبين بحقهم ممن نتوسم بهم الخير ونعرفهم بطيبهم وانتمائهم  عليكم ان تعوا ان السياسيين الذين ينادون بأسمائكم ويحاولون الظهور انهم يمثلونكم ما هم الا دعاة منافع شخصية ومكاسب حزبية ضيقة وطلاب مناصب يريدون كتسبها على حسابكم وبدمائكم من خلال الضغط على خصومهم ، ولتكونوا متيقنين أنهم أن حصلوا عليها سوف يتركوكم وينسوا حقوقكم المشروعة ولا يتذكروا شيء منها الا حين تقترب الانتخابات وتصبحون صوت لصندوق الاقتراع تنتهي بعدها صلاحيته .