17 نوفمبر، 2024 7:29 م
Search
Close this search box.

بين اللبِ والقشور إنسانٌ يُسحقُ وكرامة تُهان

بين اللبِ والقشور إنسانٌ يُسحقُ وكرامة تُهان

 في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ترتسمٌ ملامحُ شخصيتِه ومعالمُ هويتِه بين أن يكون قشرياً فارغاً من كلِّ محتوى لاهثاً وراء الشكليات واتساقها وأنساقها ، أو تسمو به بصيرتُه لترفعَه إلى عنان السماء، وتبدأ مسيرةُ الألف ميل بخطواتٍ نحو هذا الاتجاه أو ذاك.
 
 واحترام الإنسان لعقله في ما يتبناه من مواقفَ وآراء وفي أيِّ جهةٍ يكون ومع أيِّ رأي ينتمي هي من صميم إنسانيته وجوهرها ، بل ويضعها على المحك لتُمسخ فتغدو قشريةً أو تمضي في إنسانيتها.
 
 ومعنى أن يكون قشرياً أي أن يكون متردداً بين انتماء وآخر، تلعب به أهواءُ التغيير ولا يكاد يصمدُ أمام أول زوبعةٍ إن لم تكن نفخةً من عالم الحداثة، وكذلك من قشريته أن يغدو إمَّعةً ، يجترُّ ما يقوله الآخرون دون تمعُنٍ أو رويَّةٍ ، ولعلَّ من لوازم هذه القشرية أن لا يكون لصاحبها رأيٌ بما يجري حوله من أحداثٍ فضلاً على أن يسعى إلى تغييرها ، فهو إن حضر لا يُعد وإن غاب لا يُفتقد ، وإذا به يُصبح و يُمسي ويومُه كسابقه إن لم يكن أسوأ منه.
 a
 ومن آثار ظاهرةِ التقشُّر التعصبُ للهوى والجماعة حتى وإن كانت على باطل في مواقفها أو خارج إطار المألوف بغير دليل ، و ( الببغاوية ) في اتخاذ القرارات إن وجدت ، والهروب من تحمُّل المسؤولية وإلقاء اللائمةِ على الآخرين وتحميلهم مسؤولية أخطائه.
 
  وبعيدًا عن  القشور باتجاه ساحة اللبِّ ترحبُ الكرامةُ بسفيرها الإنسان ليمثلها خير تمثيل في عالم الإنسانية.
 
 لأن معنى أن تكون كريماً أي تجدُ لك موطأ قدمٍ بين من يهتمُّ بالآخرين ويشاركهم معاناتِهم ويتحيَّنُ الفرصَ المناسبة هنا وهناك ليجد حلاً ناجعاً.
 
 وكذلك هو الحال على مستوى الدول في ترددها بين اللبِّ والقشور، حيث يعيش أبناؤها حالةً من الرفاهية في العيش والملبس وغيرها مما تتقوم به الحياة الكريمة، لكنها في تشريعاتها لا تُولي الاهتمام بكرامتِهم النابع من احترام إنسانيتهم.
 
 فما قيمةُ تلك القوانين والتشريعات التي تشرعن انتهاك جوهر هذه الإنسانية في مثل هذه البلدان ،  كما هو الحال في تشريع قانون إباحة الزواج المثلي في الولايات المتحدة الأمريكية.
 
 فحينما تغيب هذه الجوهرة لا تعدو هذه القوانين أكثر من قشور تكرس قشرية الإنسان وتمتهن كرامته ليرسف بالعبودية.
 
 لأنها قوانين نابعة من رؤى ضيقة لم تلحظ الجنبة الإنسانية ، إنما أهملتها غاية الإهمال، ولسرعان ما يتحول المجتمع المتحضر إلى حيوانات مفترسة.
 
 فبعد انطفاء التيار الكهربائي في نفس تلك الدولة التي يُشار إليها بالبنان كمركز للتحضر والرُّقي لمدة ساعةٍ واحدة فقط ، لم يعُدْ النور حتى خلف وراءه عشراتِ الحالات من الاغتصاب والقتل والسرقة والخطف وغيرها.
 فأيُّ معنىً لهذه القوانين التي لا تراعى كرامةَ الإنسان سوى كونها قشورًا في مهب الريح ، فالقانون الحقيقي الذي يُكتب له الخلود ويُلهم أبناءه معنى الحياة و الكرامة إذا ما حملهم على الالتزام به دونما سلطة أو ضغوط.
 فالقشور مصيرها إلى الزوال ولا يبقى إلا ما يصمد أمام الرياح العاتية.

أحدث المقالات