قال ابن الأثير في مقدمة كتابه (الكامل في التاريخ) :
{ إني مُقّرٌ بالتقصير ،
فلا أقولُ إنَّ الغلط سهوٌ جرى به القلم ، بل اعترف بأنَّ ما أجهلُ أكثرُ مما أعلم }
بكل تواضع …
وبكلّ صراحة …
جاء اعتراف (ابن الأثير) الخطير بالتقصير …
والفرق كبير بين ان يقول عن نفسه :
انه جاء بالجديد الذي لم يسبقه اليه سابق ، ولا يُتاح لأحد ان يكون به اللاحق..!!
وبيْن أن يعترف بالتقصير ، ذلك ان الإحاطة الكاملة بكل الأسرار والأخبار، والاشارة الى العلل والاسباب، والى النتائج والآثار،ما لم يستطع ان ينهض بها وَحْده ..!!
هذه ” الأخلاقية ” جديرة بالتقدير والاحترام .
ثم انهم قالوا :
{ العلم تُعطيه كُلَّكَ ولا يُعطيك الاّ بَعْضَهُ }
ألا ترى أنَّ أطباء العيون اليوم ، ليس فيهم من يدّعى الإحاطة بكلّ ما يتعلق بالعيْن، فمنهم من يختص (بالشبكية) ،
ومنهم من يختص (بالقرنية)، وهكذا ….
فاذا كان هذا الامر ملحوظاً في جارحة واحدة من جوارح الانسان وهي العين، فكيف بجميع الجوارح والأعضاء ؟!!
انها مهمة صعبة
وابن الاثير –في الكامل- ، آثر الاعتراف الصريح بالتقصير عن الإحاطة بكل المتطلبات، وربح الجولة بأقصر الكلمات …
انه كانسان لم يعصمه الله من الخطأ ، فالغلط ليس سهواً من القلم ، وانما هو من شأن من شؤونِهِ ، وصفةٌ من أوصافِهِ .
من لا يُكتبُ لايخطأ ،
أما مَنْ يكتبُ ويؤلّف، فقد يقع في الغلط ،ولايدفع جريرة الغلط عن نفسه بالسهو– تنزيهاً لها –،وانما يدفعها بالاعتراف الصريح الواضح ،بان دائرة (المجهولات) عنده هي أكبر بكثير من دائرة (المعلومات)
هذا هو شأن العلماء ،
وهذا هو شأن الموضوعيين المُنْصِفِين …
وأين الموضوعيون من المغرورين أصحاب الادعاءات العريضة الباطلة ..؟
قال الشاعر :
فقل لمن يدّعي في العلم فلسفةً
حَفِظْتَ شيئاً وغابتْ عنك أشياءُ
-2-
أما منطق السياسيين المحترفين فهو مغايرٌ تماماً، لمنطق العلم والموضوعية، انهم يدّعون أنهم محيطون بأسرار الكرة الأرضية كلها ، وليس بما يجري في الوطن وحده …
وانهم (الخبراء) المُطَلِعُون على صغير الامور وكبيرها ..!!
وانهم (الحكماء) بقراراتهم الصائبة ونظراتهم الثاقبة ..!!
وانهم (الرحماء) الذين لايغمض لهم جفن ، متى ما انتُهكَ حقُّ المواطن أو أسيء اليه ..
وأنهم منبع فيّاض يتدفق بكل ألوان العطاء والرواء .
الى آخر ما في القاموس السيّاسي من الأكاذيب والأحابيل والأباطيل …!!!
-3-
وهم بعد ذلك يرفضون كليّاً ان يعترفوا للشعب بأيّ شكل من أشكال التقصير..
انهم يرون أنفسهم بعيدين عن كل مواطن الخلل والخطأ، حتى لكأنهم الملائكة، في حين أن الكثيرين منهم ما هو إلاّ من الشياطين …
-4-
وهم بارعون في ابتداع العلل والأسباب لما ينجم من أزمات واختناقات ، ترهق البلاد والعباد ، ويُلقون بالمسؤوليّة على عاتق الآخرين ..!!
حتى لقد عزا بعضهم أسباب الطوفان الذي أغرق الكثير من المناطق العراقية إثر الامطار الغزيرة التي شهدها العراق مؤخراً – الى المواطنين أنفسهم، ونزّه عن المسؤولية كل أصحاب القرار الآخرين …!!
-5-
يستطيع المحترف السياسي ان يمرّر كذبه على الناس مرّة ومرتين …ولكنه لايستطيع ان يخدع العراقيين – وهم في طليعة الأذكياء – بأكاذيبه على طول المدى …
-6-
ويؤسفنا أنْ نؤكد :
ان البونواسعٌ بين زُمر الكذاّبين وبين المواطنين ، أميّهِم ومثقفهم ، غنيهم وفقيرهم ، رجالهم ونسائهم …
لقد حلّ الشك محل الثقة ،والسخط والاعتراض محل الرضا ، والندم على المشاركة في الانتخابات محّل التسليم بصحة المشاركة وخطل المقاطعة…
ودبّ الاحباط الى النفوس بدلاً من الأمل ….
وهذه الحالات السلبية خطيرة للغاية ، لا من الناحية الأخلاقية فحسب ، بل من كل النواحي السياسية والاجتماعية والحضارية ….
-7-
ان السبيل الوحيد لإحداث التغيير هو الإصرار على اختيار المهنيين المخلصين من ذوي الخبرة والكفاءة والقدرة على النهوض بأعباء المسؤولية ، لبناء البلد واعماره وخدمة أبنائه ، بعيداً عن كل المحاصصات والمعادلات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
ان المشاركة الفاعلة في الانتخابات هي مفتاح التغيير .
ان العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في نهاية نيسان /2013 هو الخطأ القاتل .
ان المقاطعة تعني تضييع الوطن ، وتسليط الشراذم التي لا تَرْعى له حُرمةً على رقاب المواطنين ، ولا يرضى بذلك أحدٌ من العراقيين النجباء يقيناً .
[email protected]