لا اعتقد بان هناك من كان اكثر تفاؤلا مني بتكليف العبادي لتشكيل حكومة جديدة خلفا لمن كان يظن بانه (لن ينطيها) لو يجي (ترنتي) .. وكان هذا التفاؤل وفق معطيات كنت اقنع نفسي بها وأهمها انه قاد الانقلاب الدراماتيكي على (ولي نعمته) داخل حزب الدعوة وائتلاف دولة اللاقانون وهذا بحد عينه شجاعة كبيرة واعترافا بفشل (سيده) بادارة دفة البلاد طيلة الاعوام الثمانية العجاف المنصرمة وقناعته بضرورة احداث تغيير حقيقي يعيد بهاء الوجه العراقي مما لحق به من انتكاسات ، فضلا عن كون الرجل حاصل على شهادة الدكتوراه من بلاد العمة اليزابيث وعاش في بلادها ردحا من الزمن ولاشك بانه تطبّع بطبائع اقدم ديمقراطيات العالم وربما يكون قد (غار) منها ليحمل تجربتها الى بلادنا المنكوبة ، ناهيك عن كونه ابن منطقة الكرادة التي عاش فترتها الذهبية وازدهارها وتنوعها وانفتاحها خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ولاشك بانه مازال يحمل ذكريات شارع ابي نؤاس ومستشفى الراهبات وعرصات الهندية وشارع الاورزدي وحمام سيد مهدي وفلافل ….فالح ابو العمبة!
واعترف بانني صدمت بتشكيلة العبادي ، خاصة بعد حصوله على تأييد دولي كبير لم يسبق له مثيل ، لانني احسست بان (فرحة) تغيير المالكي ذهبت أدراج الرياح ،وكأنك يابو زيد ماغزيت مثلما يقول المثل الشامي المعروف ، فلقد صعقت بالتشكيلة الوزارية التي ضمت أسماء هزيلة لاتصلح لادارة حانوت مدرسي فكيف بوزارة في بلد مهم كالعراق تتجاوز ميزانيته السنوية 150 مليار دولار امريكي فضلا عن كونه يواجه تحديات داخلية واقليمية يعرفها الجميع واغلب من ضمتهم هذه التشكيلة العرجاء… (لايحل ولايربط) !!
لقد بدأ العبادي أولى تصريحاته بعد أيام من تكليفه اولها كانت دعوته لترشيق الوزرات وتوزير التكنوقراط واستبعاد من يشك في نزاهته لكننا سمعنا جعجة ولم نر طحينا ،حتى لو كان مثل طحين الحصة التموينية الذي كان يوزع خلال فترة الحصار على العراق ، فلا الوزارات رشّقت ولا النزهاء استوزروا وظل الامر كما هو عليه خلال الدورتين السابقتين ،ان لم يكن اسوء منها ، وكالعادة فان وزارتي الدفاع والداخلية بقيتا خارج التغطية ولم يتمكن العبادي من حل طلاسم شغل اي مرشح للحقيبتين خاصة بعد ان ابدت كتلة معروفة رغبتها باستيزار رئيسها للاولى وعدم التوافق على مرشحي الثانية وهي ذات المشكلة التي دعت (سبع السبمبع) رئيس الوزراء السابق للامساك بتلابيبها وادارتها بالوكالة بشكل كارثي ، حالها حال الكثير من الهيئات المستقلة ، لانه بكل بساطة كان مستخفا بالجميع من برلمان وكتل سياسية وشعبية شلع ..قلع !
ولعل الانكى مافي (فيلم) جلسة البرلمان ، الذي لم يحبك سيناريه ، هو (وضع) ثلاثي الاخوة – الاعداء في منصب نواب رئيس الجمهورية والتصويت عليهم في سلة واحدة فاولا كان ينبغي بشكل فردي لكل منهم مما يدل على استخفاف كبير بالدستور والقوانين وثانيا فشل هؤلاء الثلاثة كل في مجاله فالاول اضاع البلاد وهجّر العباد ونشر الفساد فيها و(مانطاها) الا بعد ان سلمها لقمة سائغة الى ارهابيي داعش والثاني استخف بالبرلمان طيلة دورتين برلمانيتين ولم يسجل حضورا تحت قبته الا عدد من المرات لاتتعدى اصابع اليدين لانه يرى نفسه اكبر من ذلك ، اما الثالث والاخير فقد افرغ البرلمان من محتواه خلال ترؤسه له خلال الدورة التشريعية الماضية بسب ضعفه وعدم قدرته على محاسبة السلطة التنفيذية بل وانصياعه لها في اكثر من مناسبة على الرغم من كون الدستور يشير الى ان نظام الحكم في العراق هو جمهوريٌ نيابيٌ أي(برلماني) وهذا يمنح مجلس النواب صلاحيات كاملة لمحاسبة الحكومة، لكنه لم يفعل ، ولم يشهد البرلمان في عهده محاسبة اي من عناوين الشبهات والفساد المعروفين ووصل الامر باحد الوزراء الى التمرد على دعوة البرلمان له بل واصر على عدم الحضور…وعلى عينك ياتاجر !
العراقيون كانوا بانتظار ولادة حكومة تفعل اكثر مما تقول لكنني اعتقد بان هذه لن تفعل ولن تقول وبرأيي انها لن تصمد سوى عدة اشهر ، واتمنى ان اكون على خطأ ، لكن الرسالة واضحة وساعي البريد أضاع العنوان عن سبق اصرار وترصد .. وشدّوا راسكم يا….. (كرعان ) … وعليهم مثلما يقول الشاعر الشعبي خضير هادي !