22 نوفمبر، 2024 9:49 م
Search
Close this search box.

بين الصدر الوالد والصدر القائد … ثلاثية المواجهة

بين الصدر الوالد والصدر القائد … ثلاثية المواجهة

لا يخفى على كل من عاش ووعى مرحلة التسعينات من القرن المنصرم ما حدث من طمس الارث الاسلامي، وتفشي الفقر إثر الحصار الاقتصادي الذي فرضته قوى الاستكبار ، ناهيك عن محاربة واقصاء كل من يُـحاول النهوض بالمجتمع العراقي عموماً، ومذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) خصوصاً، لا يخفى عليكم تلك الايام العُـجاف التي مرّت على العراقيين، بعد هجوم القوات الصدامية على دولة الكويت الشقيقة، والتي ما زلنا ندفع ضريبة (السياسية الرعناء) لقائد الضرورة … في تلك الفترة بدأ الياس يدّبُ في قلوب العراقيين، والخوف يدخل كل بيت بل كل شخص، واصبحنا لا نُـكلم احداً بالشأن السياسي حتى من نثق بهم، خوفاً من بطش النظام القمعي، في تلك الفترة ….

بزغ النور الالهي ليصدح بصوته الجهوري ينادي بالمسجد العلوي (حي على الجُمعة)، لتُـبلي الآلاف بل الملايين من الخائفين ذلك النداء وتلتحق بركب السماء، مُـتحدّين اعتى قوةً اجرامية عرفها التاريخ المعاصر، سلاحهم ” الصلاة “، شعارهم ” الاستغفار “، هدفهم ” اصلاح المجتمع “، نتيجتهم ” الشهادة “، التحقوا بركب السماء وهم مردّدين قوله تعالى: ” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174)” آل عمران.

في تلك الفترة واجه مرجع الملبيين لنداء الحقّ السيّد الشهيد مُـحمّد مُـحمّد صادق الصدر “قدس نصره” في مسجد الكوفة ثلاثة جبهات (الفكر التكفيري ، الفكر البعثي ، الفكر التقليدي).

فالفكر التكفيري ولد ونمى بعد فرض الحصار الاقتصادي المشؤوم على العراقيين، فزاد الفقر بنسبة كبيرة، واخذ الفكر الوهابي بنشر وطبع كتبهم وافكارهم مستغلين جهل الكثيرين بأمور عقائدهم تارةً، والفقر الذي حلّ بالبيت العراقي تارةً اخرى، فتصدى الشهيد الصدر الوالد لهذا الفكر بنفسه من على منبر الكوفة المعظم، واخذ يُــذكر الناس بربّ الارباب والعودة الحقيقة الى الحضرة القدسية متمسكين بمنهج الحق المتمثل بــآل بيت النبوة ( صوات الله عليهم اجمعين ).

وأما الفكر البعثي وهو الذي لا يحتاج الى تعريف لأن (المُـعرف لا يعرف) فلم يدعُ الصدر ولا أئمة الجمع الى (قائد الضرورة) ولم يُـنفذ رغباته الشيطانية، فكان لهم بالمرصاد واصبح ملك القلوب، متخذاً من قاعدته القائلة: ” إذا قالت لكم الحوزة قوموا تقومون وإذا قالت لكم اجلسوا تجلسون “، ثم بدأ بسحب البساط ( كما يُـعبرون ) من تحت النظام البعثي مما غاظهم هذا الفعل وفعلوا فعلتهم النكراء.

واما الفكر التقليدي الحوزوي الذي عبّـر عنه الصدر الوالد بقوله: ” هم يريدون بقاء ما كان على ما كان، سامحهم الله”، فجدّد الشهيد الصدر في الحوزة، فكان المرجع والخطيب والرادود والاستاذ والشاعر … وأسس المحاكم الشرعية، وادخل اجهزة الكمبيوتر، واضاف الدروس الاكاديمية في الحوزة، واعطى الوكالات لشيوخ العشائر ليحكموا بالحكم الشرعي في النزاعات وغيرها، تلك الثلاثية (باختصار) واجهها الشهيد الصدر في حياته وعند تصديه لقيادة الحوزة.

واما الصدر القائد فقد واجه الثلاثية الشيطانية ( الاحتلال الامريكي، الفكر البعثي التكفيري، مُدعي التشيّع )، فمنذ دخول قوات الاحتلال الامريكي الى ارض العراق العزيز أسس الصدر القائد ( جيش الإمام المهدي “عج”)، واعلن مواجهة القوات المحتلة برجال قال عنهم الصدر الوالد: ” كأنما خُـلقوا من اجلي”، فلم ترهبهم دبابات العدو، ولا التقنية العسكرية، فواجهوا الاحتلال بالأسلحة البسيطة وانتهت المعركة باعتراف العدو بالهزيمة النكراء لهم وانتصار المقاومة الاسلامية، وتجددت المعارك مرةً اخرى، الى ان رضخوا وخرجوا من العراق خاسئين يجرون اذيال الخيبة.

واما الفكر البعثي التكفيري (صنيعة امريكا واسرائيل) الذي كشّر عن انيابه ليفتي بقتل الشيعة بمفخخاته وكواتمه وبأبشع الطرق وبقيادة ايتام النظام البائد، لولا تصدي سيد المقاومة وقائدها ويأذن بحربٍ لتفريغ العراق من شذاذ الافاق الذين لا يريدون للعراق خيراَ، فلبوا ابطال المقاومة نداء القائد وبذلوا الغالي والنفيس لوأد البعثيين والتكفيرين او اخراجهم من العراق.

وأخيراً ( مُـدعي التشيع ) الذين اتوا على ظهر دبابات الاحتلال، وارادوا مصادرة دماء الشهداء وسنين المعتقلين ودموع الثكالى وانين الارامل وحسرة الايتام، جاءوا هذه المرة باسم الدين، رافعين شعاراتهم الاسلامية، مرتدين لباس الحوزة العلمية، شعارهم ( يا لثارات الصدر) وباقر الصدر منهم براء، هدفهم الكرسي والمنصب والحكم، وسيلتهم الطائفية والقومية، تمويلهم جميع العملات الغير عراقية .

جاءوا متوهمين بان العراقيين سوف يستقبلوهم بالورود، خاصةٍ بعد ما جاءهم رسولهم ليبلغهم بقتل الصدر الوالد، دخلوا العراق يوم الجمعة، فلم يكن باستقبالهم احد، نادى زعيمهم: اين العراقيين؟ فجاءه الجواب، انهم في صلاة الجمعة بإمامة الصدر!!! وهنا كانت الصدمة: أولم يُـقتل الصدر ؟!، وعقدوا السقيفة من جديد، واختاروا من كل حزب رجلاً لمواجهة شبل آل الصدر، فاصدروا مذكرة الاعتقال بحق الصدر

القائد ( الذين رفعوا الشعار للمطالبة بثأر آل الصدر ) وزُج اتباعه في المعتقل، وصار مواجهة الاحتلال جريمة يُـحاسب عليها القانون، ودفعوا الدولار والتومان لبعض النفوس الضعيفة معتقدين بان خروج هؤلاء سيكون اضعاف لخط الجهاد والفكر، واصبحت احزابهم مكب نفايات من يطرده الصدر القائد ، فالحوزوي الذي ترك العمامة من اجل السياسية، والسياسي الذي باع دينه بدنياه، وبعض شذاذ الافاق الذين ينعقون مع كل ناعق، ورغم ذلك بقي خط الصدر القائد خط ( ممانعة ) للحداثة التي اتى بها مُدعي التشيع، وخط ( التجديد ) في افكار الصدر الوالد.

فبين ثلاثية الصدر الوالد (الفكر التكفيري ، الفكر البعثي ، الفكر التقليدي)، وثلاثية الصدر القائد ( الاحتلال الامريكي، الفكر البعثي التكفيري، مُدعي التشيع) يبقى هذا الفكر معطاء ومشروع استشهاد لرضى الرحمن وخدمة الانسان، والمحافظة على قيم القرآن، ليعيش الشعب العراقي بالأمن والامان.

وللحديث بقية …

أحدث المقالات