ماأحوج العراقيين اليوم الى الفرحة.. وماأحوجهم الى من يرسم البسمة على شفاههم.. بعد عقود ارتسمت فيها على وجوههم دموع الخوف والتهجير والتفجير والحرمان والاضطهاد. فقد عاش العراقيون تحت نير حكم البعث بعيدين عن الأفراح.. قريبين من الأتراح.. يلوح لهم شبح الموت في كل ركن من أركان حياتهم.. وفي كل زاوية من زوايا بيوتهم، بعد أن نشر الطاغية أذرعه البعثية في كل أرجاء البلد. كما لم يفته استخدام وسائل القمع جميعها.. وأولها الرصاص كأصغر أداة للرعب.. وأقرب طريق للموت. وكان له هذا..! بعد أن ابتدع أسبابا كثيرة لنشر قطع السلاح بين أزلامه، فصارت البندقية في بيت كل مؤيد ونصير.. والمسدس يزين حزام كل رفيق.. يجوبون بهما بكل خيلاء في مؤسسات البلد وشوارع المدن وحتى بيوتها، بعد أن أجاز لهم سيدهم إدخال الموت المجاني اليها، بسبب أو من دونه.. لشيء أو لالشيء..
حتى جاء عام السعد 2003 وسقط الصنم.. وخال العراقيون أن بسقوطه ستسقط كل الأقنعة التي صنعها وروج لعرسها باللباس الزيتوني.. وأتاح لها الانتشار في يوميات العراقيين وتفاصيل حياتهم الخاصة والعامة.. بعد أن أسكنها مقرات في أصغر أروقة المدن العراقية وأزقتها.. حتى استحالت حياة المواطنين -وهم في وطنهم- الى واحد من خيارين، أما لباس القبر او لباس السجن.. ومن سلم من هذين اللباسين فأمامه خيار ثالث هو لباس السفر والتغرب والنفاذ بجلده.
وبكل الأحوال.. من المفترض أن يكون العراقيون اليوم في حل عن كل مامضى من عقود وتبعاتها.. فقد تمزق اللباس الزيتوني بلا رجعة.. ولم يعد الجلاد يمسك السوط بكلتا يديه ويضرب كخبط عشواء. لكن..! هناك خصلة على العراقيين إيلاؤها أولوية في حياتهم، وعليهم وضعها نصب أعينهم في علاقات بعضهم ببعض، وعليهم أيضا أن يدخلوها في حساباتهم وتعاملاتهم اليومية.. في البيت والشارع والمؤسسة، تلك الخصلة هي أن العراق عراقهم أرضا وسماءً وماءً.. هو ليس عراق الملك فيصل ولا غازي ولا فيصل الثاني ولا قاسم ولا العارفَين ولا البكر ولا صدام ولا المالكي ولا العبادي.. هو عراق الأجيال جميعها.. أما هؤلاء فموظفون يؤدون ما مناط بهم من مهام ويرحلون، ومنهم من رحل بخزي وعار.. ومنهم من رحل أبيض الكفين سليم السمعة، وما اختلافهم إلا بطريقة الرحيل.. فمنهم من رحل قتلا ومنهم من رحل غدرا ومنهم من رحل قهرا.. ومنهم من رحل إعداما.. ومنهم من ينتظر..!
فالعراق إذن..! عراقنا نحن أبناؤه الحقيقيون، وعلينا أن نكون بناته الفاعلين وحماته الذائدين، ولن يتحقق هذا إلا إذا وضعنا أكفنا معا، في السراء والضراء.. في العسر وحين الميسرة.. أما الضراء فقد خبرناها وعشنا -ومازلنا نعيش- مرارتها، وأما السراء فأيامها هي تلك التي يسجل فيها أبناء البلد المخلصين مايبهج القلوب، ويبعث الأمل في استعادة العراق مكانته بين البلدان والأمم في مجالات الحياة، ومن المؤكد أن هذا لن يتحقق مالم يرفل العراقيون بنعمة السيادة التامة والاستقلال التام على أراضيهم كافة، وهذا مايتحقق اليوم على أيدي أبنائه البررة من الجيش والحشد الشعبي، الذين يقومون بتصحيح أخطاء خونة مارقين سبق لهم أن باعوا الأوطان بأبخس الأثمان، فهل يكون هذا درسا لقادم الأيام لمعرفة الصالح من الطالح والجيد من السيئ، والشريف من عكسه..!