23 ديسمبر، 2024 3:43 ص

بين الشرق والغرب .. حضور القانون وغيابه يعزز الانفصال بين البشر

بين الشرق والغرب .. حضور القانون وغيابه يعزز الانفصال بين البشر

منذ اكثر من الفين وخمسئة سنة تأملوا الهنود الرائون ملايين الاشكال الموجودة في الحياة والتي تنشئ على اليابسة والماء والهواء، هناك اشكال لا تتعدى دورتها بين الولادة والموت مجرد ثواني، واخرى تمتد لمئات الاعوام، هل هناك من يلعب لعبة ما؟ يتساءل الرائون. هذه اللعبة سماها الهنود الرائون ( ليلا ). فمن يلعب هذه اللعبة، وهل نشكل جزءاً منها؟ ام ان الشعور بالانفصال الذي بات يعرف اليوم كهوية ترتبط ارتباطاً طردياً بالتطور يقف وراء حجب الرؤية هذا؟
اذا ما جردنا مفهوم الانفصال وتأثيره على حياة الفرد وهو ما وقف عنده العديد من الفلاسفة – ولو بشكل سطحي – وجميع الديانات السماوية والارضية، سنرى اننا نتشارك ونتصل بقوة في الخلفية مع كل شكل من اشكال الحياة الاخرى – غير اننا نتميز بحملنا لاكثر العقول تطوراً – هذا العقل ومنذ بداية الحياة اي تواجد الانسان الحديث والتي بدأت منذ ما يقارب المئة الف سنة كما يعتقد، وهو يتطور تدريجياً نحو التطور والانفصال على حد سواء وبالسرعة نفسها، فمنذ بداية الترحال والبحث عن بيئة آمنة مروراً بالاستقرار الذي وجد مع بداية الزراعة، والعقل البشري يعزز وان كان بشكل غير مباشر مبدأ انفصاله عن مختلف اشكال الحياة وعن اخيه الانسان كنتيجة حتمية لهذا التطور الذي يتطلب التفكير بالنجاة بنفسك اولا. هذا النمط رسخ المبدأ الاول للانانية ولو كان بشكل غير مقصود.
حيث لا يمكننا عزل التطور الذي يعني ضمنياً الامتلاك بمختلف اشكاله ( بيت، مأكل، مصدر دخل، ومختلف باقي الاملاك والقوانين المنظمة له) منذ بدأ تطور الحياة، لا يمكن عزله عن الانفصال الذي يعاني منه البشر في علاقاتهم فيما بينهم والذي يعزز مبدأ ( لي و لك ) والذي تتضح ملامحه في حياتنا الان كلما نتجه غرباً – أي كلما انعكست قوانين الملكية والحقوق اكثر على حياة الفرد. ففي اوروبا مثلاً حيث تنظم القوانين كل مفاصل الحياة – وهو ما ينعكس ايجاباً على الشكل الخارجي للحياة – ترى تأثير الانفصال الذي يأتي مرافقاً لهذه القوانين بشكل كبير على مضمون الحياة، أي على علاقات المجتمع والعائلة ايضاً، والذي تتضح ملامحه اكثر في بلدان الشمال حيث الظروف المناخية الصعبة التي رافقت عملية التطور، ففي هذه البلدان يتضح الانفصال بشكل اكبر في العديد من العادات الاجتماعية، منها ضرورة احترام المسافة الشخصية بين شخصين اثناء الحوار، والجمود في العلاقات، فضلا عن المسافات التي تصل الى مترين بين الافراد في اكثر مواضع انشطة الحياة مثلاً كأنتظار حافلة النقل العام في الموقف المخصص لها.
هذا النمط الذي يزداد كلما اتجهنا غرباً تراه يقل ويكاد ينعدم كلما اتجهنا شرقاً، وهنا يتضح غيابه لغياب او ضعف القوانين التي تنظم حياة وحقوق الافراد، فجولة قصيرة في الهند مثلا – وان كانت عن طريق التلفاز – تستطيع من خلالها ملاحظة حجم التقارب بين الناس، او في العالم العربي حيث يتضح مفهوم العلاقات الاجتماعية بصورة اوضح بالنسبة لنا. الا ان هذا الشكل من التقارب الذي يأتي نتيجة عدم تدخل القوانين في تنظيم حياة الافراد، يترجم ويفسر في بعض الاحيان من قبل العقل على انه حق من الحقوق التي تدعوك الى التدخل بشؤون الاخرين، وبالتالي ستجد ان المشاكل الاجتماعية تكثر في هذه البلدان.
ان المشكلة لا تكمن في غياب وحضور القوانين في هذا المجتمع او ذاك، انما تكمن في فهم وتفسير العقل البشري الخاطئ للمثالين القادمين من الشرق والغرب. فالمشكلة لا تتسم بوجود القوانين او غيابها، بل كنتيجة طبيعية للخلل الوظيفي للعقل البشري، الذي يتكئ على مبدأ الانفصال عن باقي البشر، كنتيجة للتطور. فعلى الرغم من الذكاء المرافق للعقل الا انه يتطرف دوماً في التماهي مع غياب وحضور القوانين التي تنظم حياة الافراد والتي ذكرناها في الامثلة القادمة من الشرق والغرب. لذلك نصت جميع الديانات الارضية والسماوية على ضرورة تهذيب العقل بما يسمى اصطلاحاً في الاسلام بجهاد النفس.