كانت توصي طفلتها قبل التوجه الى روضة الاطفال بأن تقول ( بابا صدام ) حين يذكر اسم رئيس الدولة وان لاتنقل مايدور بين والديها من حديث اذا كان يمس نظام الحكم ، بعد سقوط النظام ، لم تعد المحرمات قائمة الا ان تلقين الاطفال المرواغة وحتى الكذب كان لفترة طويلة جزءا من “تربية ” اضطرارية لتفادي المقابر الجماعية …
اليوم ، لم تعد هناك مقابر جماعية ، وصار ممكنا ان نسب ونشتم حاكم البلاد في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات دون ان نخشى عقابه ، لكننا لانريد ان نجرد صورة الحاكم من سمات ” القائد الضرورة” ، فهو المسؤول عن احيائنا واماتتنا ، وهو الذي قد يجلب لنا السعادة او الحزن ..وهو الذي عليه ان يحل كل مشاكل البلد ، وهو الذي يستحق ان نهلل له وندافع عن مواقفه ونتبنى نظرياته مهما كانت بائسة …
قبل ايام ، عرضت احدى القنوات الفضائية حوارا بين عدة ضيوف حول قضية ادارة الدولة وتحرير الموصل وقضايا اخرى تخص مستقبل البلاد ، لكن الحوار تحول بين ضيفين من الضيوف الى هجوم ودفاع يخص شخصيتين سياسيتين ، وصارت مناقشة مستقبل البلاد نزاعا حول مستقبل الشخصيتين السياسي فهذا يؤيد العبادي وذاك يؤيد المالكي ، وهذا يرى كل سلوكيات العبادي صائبة وفيها خلاص البلد من ازماته ، وذاك يحاول ان يمحو الصورة الراسخة للمالكي في اذهان الكثيرين حول كونه سببا رئيسيا في اغلب الازمات التي تعصف بنا حاليا فيظهره نزيها ، قويا ، وقادرا على انقاذنا من الازمة …
وقبل ايام ايضا ، ظهر مقطع في مواقع التواصل الاجتماعي يروي ماسيفعله الرئيس الامريكي باراك اوباما بعد مغادرته البيت الابيض وكيف بدأ يستعد لهذه المرحلة بالتنقيب عن هواياته ليمارسها واستغلال مواهبه في ممارسة اعمال تناسبه فهو سيصبح مواطنا عاديا ماان يغادر مكتبه في
البيت الابيض ولن يتوقع ان يهتف له أحد في الشوارع ، فشعبه الآن منشغل باختيار مرشح جديد لتستمر امريكا وتواصل تربعها على عرش القوى العظمى في العالم …
في مايخصنا ، لم ولن نفكر في استمرار العراق وخروجه من ازماته وتقدمه ومجاراته الدول الاخرى في سباق الحضارة ، بل نفكر فقط فيمن سيحكمه وكيف سينجح في التصدي لأعداء الداخل قبل اعداء الخارج ، وكيف سيتحول الى رمز و(قائد ضرورة ) نعلق عليه آمالنا فنهلل ونهتف له ..ونضاعف غروره ونصنع منه دكتاتورا !
بعد الحوار الساخن الذي جرى بين الضيفين ، ايقنت ان بلدنا يديره شخوص وليس سياسة موحدة وواضحة المعالم وانه سيبقى ممزقا بين اهواء وسلوكيات قادته وشطحاتهم ولن تتفق اطرافه يوما على مصلحته لأن مصلحة القائد في بلدي اهم من مصلحة البلد ، ولو واصلنا دفاعنا المستميت عن القادة فقد يأأتي اليوم الذي نربي فيه اجيالا جدد على الكذب والمراوغة لأننا سنعلمهم ان يمجدوا رجلا بدل ان يمجدوا وطنا وسنعكس لديهم النظرية التي تقول بأن الشعوب تصنع اقدارها حين نرتضي ان تدير اقدارنا اسماء اثبتت فشلها في ميدان السياسة ..ولاترتضي الاعتراف بالخطأ ومغادرة الساحة واستعادة حياتها الطبيعية …