في خضم الاحداث المتسارعة التي يمر بها العراق والهجمة الشرسة التي يتعرض لها العراقيون من قبل الارهاب داخليا وخارجيا برزت ظاهرة ليست بالجديده ولكنها استفحلت لتصبح عاملا معطلا لاستعادة الحلم في بناء عراق قوي موحد ينعم شعبه بالرفاهية والامان الا وهي ظاهرة انعدام الثقة بين الحكومة والطبقة السياسية على الاطلاق وبين المواطن البسيط جعلت من عقلية المؤامرة هي المسيطرة والمتحكمة في هذه العلاقة والتي من المفترض وخصوصا بعد انتهاء الحكم الدكتاتوري ان تصبح علاقة تكاملية قائمة على الثقة والتعاون انطلاقا من كون الحكومة وكما هو مفترض هي حكومة منتخبة من قبل المواطنين الا ان نظرة بسيطه في الاحداث الكبيرة التي مر بها العراق منذ عام 2003 ولغاية اليوم نرى ان نظرية التأمر هي التي تتسيد الواقع العراقي فما السبب ؟ وماهي العوامل التي عمقت من ظاهرة عدم الثقة ؟ وهل يمكن اعادة بناء الثقة مرة اخرى ؟
ان اي استطلاع للراي بين العراقيين سوف يبين ان قليل من المواطنين يثقون بخطاب الحكومات المتعاقبة وتصريحات مسؤوليها حتى وان تعلق الامر باعلان عطلة رسمية او بدء دوام المدارس ، لا بل ان الامر وصل الى انعدام االثقة بكافة التصريحات التي تصدر عن الطبقة السياسية سواء كانت داخل الحكومة او خارجها فما ان يصدر اي تصريح من اي سياسي حتى تسارع الغالبية الى البحث عن الاسباب خلف ذلك التصريح وغالبا مايدور البحث في المنطقة المظلمة ومايجري خلف الابواب المغلقة والاتفاقيات الجانبية التي يتم فيها تغليب المصالح الشخصية على المصالح الوطنية . ان هذه الظاهرة القديمة الحديثة يجب ان تحظى باهتمام المعنين لوضع الحلول التي تساعد على استعادة الثقة وتزيل الهالات السوداء التي تحيط بالعلاقة التي من المفترض ان تكون شفافة وديمقراطية .
ففي المجال السياسي نرى ان عقلية المؤامر هي التي تحكم طريقة تفكير الكثيرين بل وتحكم حتى العلاقات بين الفرقاء السياسين والذين يجب ان نعترف بنجاحهم في استغلال العامل الطائفي في المحافظة على مواقعهم وامتيازاتهم حتى وان كانت ستؤدي الى تفتيت النسيج الاجتماعي العراقي بل ان عقلية المؤامرة اصبحت تحكم حتى الائتلافات والتحالفات التي قامت على اساس طائفي فما ان يحرم احد الاعضاء في البرلمان من منصب كان يحلم به او امتياز كان يؤمل النفس بالحصول عليه حتى يخرج على المواطنين بتصريح ناري مؤكدا باغلظ الايمان بان ماجرى هو مؤامرة من بقية الاحزاب ضد المكون الذي يمثله او المحافظة التي جاء
منها فاذا القم عظما يسد شراهته حتى تختفي الايمان والمعلومات والمؤامرات وبالرغم من ان الجميع يصرح بانه يسعى الى سلامة الوطن ووحدته ورفاهية مواطنيه الا ان كل هذه الوعود والتصريحات تختفي امام الرواتب والامتيازات التي يتم الانعام بها عليهم وحتى النواب الذي اعتادوا ان يفترشوا ارض شارع المتنبي بين المثقفين ويدعون الى الحريات المدنية اختفوا وراء جيوش الحمايات الشخصية والزجاج المضلل لعجلات الدفع الرباعي فبعد زوبعة رواتب وتقاعد النواب واصحاب الدرجات الخاصة التي ثارت قبل الانتخابات والايمان المغلظة بالسعي الى تخفيضها تبخرت بمجرد الجلوس على المقاعد الوثيرة لمجلس النواب وبعد الدعوات التي ملئت الفضاءات بعدم اختيار وزير الدفاع والداخلية في الحكومة السابقة نرى ان هذه الدعوات يتم ترجمتها الى فشل كامل في اختيار من يشغل تلك المناصب وفي قانون الموازنة تم ذبح الاقتصاد العراقي من الوريد الى الوريد، ولم نسمع خبيرا او مسؤولا في الدولة يتحدث لنا بالارقام عن الاسباب الحقيقية لتعطيل هذا القانون، ودخلنا في لحظة ما حيز المؤامرة التي نصبها النواب للحكومة.
في المجال الامني والعسكري نرى ان الناطق الرسمي سواء كان مدنيا او عسكريا يفقد ثقة الجمهور منذ اول تصريح يدلي بالرغم مما يبذله من جهود ولباقة في مواجهة الجمهور والصحفيين وبالرغم من الشفقة التي نشعر بها اتجاه كل من يتولى هذا الموقع الا انه لايعفيه من المسؤولية عدم اخذه بنظر الاعتبار انه في زمن الشبكة العنكبوتية واجهزة الاتصالات في زمن المعلومات وانتشارها الواسع اصبحت سياسة الحجب والمنع من مخلفات الماضي التي ستاتي باثر عكسي في تعميق انعدام الثقة وفقدان المصداقية . فلايمكن بعد انتشار اجهزة الاتصال والانترنيت وخبرة عشرة سنوات مع الانفجارات ان نقنع المواطن العراقي والمعروف بانه من اذكى البشر على وجه الارض بان انفجار يهز بغداد بكرخها ورصافتها وكان بدون خسائر وماكنا نصدقه في بيانات النظام السابق اثناء الحرب العراقية الايرانية من تكبيد الايرانيين الاف القتلى وكانت خسائرنا جريحين لم يعد مقبولا في زمن العولمة بحيث اصبح لزاما على من يتصدى الى مهمة التحدث مع المواطنين ان يغادر سياسة انصاف الحقائق العقيمة التي لن تؤدي الا لتعميق الهوة وانعدام الثقة التي ستدفع المواطن الى البحث عن الحقيقة في مواقع كل همها ان تزيد من حالة الهلع والخوف في سبيل تحقيق اهدافها .
في مجال مكافحة الفساد المالي والاداري يجب ان يدرك القائمون على هذا الموضوع ان موضوع الفساد اصبح قضية راي عام وان الراي العام اصبح يلعب دور القاضي الذي يحكم حسب مايتوفر لديه من معلومات ولم يعد يقبل باخفاء الحقائق بانتظار موافقة المراجع العليا وان المواطنين لايلتفتون لالاف المنشورات التي تصدرها هيئة النزاهة التي تدعو الى مكافحة الفساد
مقابل صفحة واحدة من جريدة عربية او اجنبية تنشر خبر القبض على مسؤول عراقي وبحوزته ملايين الدولارات او احتجاز مسؤول عراقي في مركز توقيف خمس نجوم داخل المنطقة الخضراء لحين السماح له بالفرار فالفضاء اصبح مفتوحا والناس تتناقل الاخبار اسرع من الطائرات التي تحمل الفاسدين خارج العراق ليهربوا بما حملوا من اموال السحت الحرام .
اما في مجال الاعلام فعلى المتصدين لهذا الملف ان يعلموا بان بانه بوجود الاقمار الصناعية لم يعد بالامكان ادارة الاعلام باوامر مكتبيه باغلاق قناة او صحيفه اوايقاف برنامج وخصوصا ان صحون الاستقبال وسعت من مجال انتقال الاخبار بحيث لم يقتصر على قناة واحدة او قناتين لذلك يجب ان يغادر المعنيين عقلية الاعلام المسيطر عليه والتعامل مع الاعلام المفتوح وان يدركوا ان امر واحد باغلاق قناة لن يزيد الا من فقدان مصداقية الهيئة التي من واجبها ان تسهيل مهمة الصحفيين والاعلاميين لينقلوا الحقيقة الى المواطنين .
ان سياسة التعتيم واخفاء الملفات فتحت سيلًا من الاسئلة بِدءًا من مكافحة الارهاب وحقوق الانسان الى اختفاء الخدمات ومكافحة الفساد والتصارع على المغانم والامتيازات وهذا الباب لن يغلقه سوى خلق بيئة من الشفافية والوضوح واختيار العناصر الكفؤة التي تتمتع بالمسؤولية والقدرة على مخاطبة المواطنين بصورة مباشرة وفتح الباب اما شمس الحقيقة كي تسطع لتذيب جليد انعدام الثقة .