23 ديسمبر، 2024 11:05 ص

بين الحقيقة والخيال

بين الحقيقة والخيال

يختلف المجتمع في تفكيره ونظرته للحياة من فرد الى اخر, كما نعلم لكل شخص قناعات ومعتقدات خاصة به غير قابلة للشك,
البعض يعتمد على الطرق العلمية والمنطقية في تفسير الظواهر وما يجري حوله, البعض الاخر يعتقد بوجود الغيبيات وتأثيها على حياته بشكل مباشر او غير مباشر.
كمثال على ما هو شائع هذه الايام هو الايمان بالابراج واهتمام صاحبها بما يتنبأ له برجه لعله يغالي بها او ينسب لنفسه صفه معينة ليست فيه في سبيل ان يصدق ما يقوله برجه وكأنها حقيقة لا يمكن انكارها, لدرجة ان البعض يعتقد ان هنالك افلاك مسيرة تتحكم به وهي صاحبه الكلمة الاولى والقرار في حسم مصير الشخص , وبالفعل تتحقق بعض تنبئات الابراج, لكن هل كل النبؤات صادقه؟
هذا يعتمد بالدرجة الاساس على الفرد وشدة ايمانه بما تقول له نبؤاته, لذا اعتقد ان داخل كل انسان قوة غيبية تستطيع التغلب على قوى الطبيعة اذا ما صاحبها ايمان كافٍ بهذه القوة.
من غير المنصف ان اقتصر على ذكر الابراج دون غيرها, فليست الابراج وحدها فحسب بل هنالك قراءة الكف وقراءة الفنجان والخيرة وفتح الفال …وغيرها , فعندما تقول النبؤات ان فلان من الناس سيمر بحادثة مفرحة تسرّه وتسرّ من حوله, شدة ايمان هذا الشخص بنبؤته يخلق حالة من الايحاء الداخلي والاستعداد النفسي لتلقي هذه الحادثة المفرحة, في هذه الحالة سيكون الشخص مهيأ تماماً لاستقبال الفرح لذلك يسعى بكل ما هو ممكن لتحقيق نبؤته بأقرب فرصة ممكنة,
واذا ما سنحت له الفرصة سيحقق النبؤة بنفسه وربما يبالغ في تحقيقها كي يصدق نفسه, لكن في واقع الامر ان حياته طبيعية وتجري وفقا لما هو مألوف وهذه الفرحة حاضرة حتى لو لم تتكهن النبوءة بذلك, ولربما قد يمر بحالة حزن لكنه يتلافاه ولا يعيره اي اهتمام لان استعداده النفسي غير مؤهل لاستقبال الحزن في مثل هكذا ظروف,  كما يقال ” كذب المنجمون وان صدقوا…”
لذلك يصدق هذا الشخص ما تتكهن له قراءة الكف او الفنجان ومرة بعد مرة يتضخم هذا التصديق ليصبح ايمان تام وتسليم مطلق بالامور الغيبية, هذه الحالة غير مقتصرة على شخص او فئة معينة بل هي ظاهرة منتشرة بشكل واسع على مستوى مجتمع بأكمله ولها نتاجها السلبي والايجابي معاَ.
مما يلفت النظر هنالك بعض الحالات المثيرة للعجب والخارجة عن حدود المنطق وخصوصا في الفترة الراهنة مع اقتراب شهر محرم فكثير من الناس ينتظر هذا الوقت بشغف كي يحل مشكلة مستعصية او يعالج مريض ببركة هذا الشهر وبركة الامام الحسين (ع), لكن السؤال يطرح نفسه, هل كل الامراض تم علاجها؟ هل كل المشاكل قد تم حلها؟
كما ذكرت انفاً هذا يعتمد على قوة ايمان الشخص واستعداده النفسي للتفاعل مع قضيته, اذن هو علاج نفسي يضعه الشخص ليعالج نفسه بنفسه دون ان يعلم وينسب هذا العلاج لبركة الشهر.
هذا لا يعني ان كل شيء خاضع لهذه القاعدة , فلا يمكنني الجزم بأن كل ما يحصل هو نتيجة استعداد نفسي او تحفيز قوى داخلية فهو مجرد رأي يخطأ ويصيب , لكني على يقين تام ان لكل فرد قوى داخليه لها اثارها المباشرة وغير المباشرة على الفرد من حيث يعلم او لا يعلم , فهنيئا لمن يحسن استغلال طاقاته بشكل ايجابي.