رفض قائد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي العرض الذي قدمه الرئيس الاميركي دونالد ترامب للحوار بين واشنطن وطهران وبذلك وضع السيد الخامنئي كلا من ترامب ونتنياهو في زاوية الازمة والحرج بعد مواقف وعناوين عريضة اعطت انطباعا بان ( قطار الترامبية) منطلق بقوى لتغيير العالم بدءا من الشرق الاوسط والى كندا .
الامام الخامنئي وبلغة القرار قال : لا ينبغي أن تكون هناك مفاوضات مع أميركا . وشدد على (( ان فكرة التفاوض مع اميركا غير ذكية وغير حكيمة ولا مشرفة وليس لها أي تأثير في حل مشاكل البلاد )) .
ولان هذا الموقف له تبعاته كونه رسالة صادمة للرئيس الاميركي ، هدد الامام الخامنئي بالرد على اي رد فعل من واشنطن وهنا حدد مراحل لاستراتيجية الرد وقال : (( إذا هددنا الامريكيون فسوف نهددهم، وإذا نفذوا تهديدهم ضدنا فسوف ننفذ تهديدنا. إذا هاجم الأميركيون أمننا فإننا بلا شك سنهاجم أمنهم )).
هذا التهديد من شانه رفع مستوى التحدي الايراني للاستراتيجية الاميركية الجديدة حيال ايران بعد حرب السابع من اكتوبر والقائمة على تصور ان ايران فقدت جزءا مهما من تأثيرها في الساحة الاقليمية وعليه صار الوقت متاحا للانتقال الى مرحلة الهجوم وممارسة مزيد من الضغط لاقصاء ماتبقى من التاثير الايراني في المنطقة .
وكان الرئيس ترامب قد حرص على تفادي رفع مستوى الضغط على الجمهورية الاسلامية والتلويح بالقوة ، بل على العكس قدم مستشاروه شروحات تطمينية واكدوا بان (الرئيس يعتقد بعدم صحة ما يشاع عن تفاهم بين واشنطن وتل ابيب لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية ).
وخلال الاسابيع الماضي تحركت حكومة الرئيس مسعود پزشكيان وعبر ( الديبلوماسية غير المرئية ) نحو ايصال رسائل اطمئنان ورغبة برفع اللغط والغموض حيال قضايا مشوشه ومشوهة تدور في اروقة القرار الاميركي بشان ايران النووية وايران الثورية ودورها في المنطقة .
ولعبت مجموعة محمد جواد ظريف والتي يسميها الثوريون المعارضون لها ب( عصابة نيويورك ) ،لعبت دورا فعالا في بناء جسور وقنوات التواصل مع الفاعلين المحتملين في القرار الاميركي في ولاية ترامب الجديدة بهدف ايصال رسائل تفاؤلية الغاية منها وضع فرامل استباقية امام اية قرارات صدامية حادة قد تصدر عن الادارة الاميركية وهو ما تحقق فعلا في فحوى القرارات والمواقف الاخيرة للرئيس ترامب والتي اعتمد فيها اسلوب العصى والجزرة . .
ولکن ماهی انعکاسات المواقف الصارمة للسيد الخامنئي على حالة ( التشاؤل ) ازاء مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران ؟ في القراءة التقليدية لردود الافعال المحتملة لمواقف القيادة الايرانية التي ذهبت باتجاه ( الحد الاقصى ) مقابل عرض التفاوض الاميركي ، قد يرى البعض ، ومنهم خصوم ومنافسي ايران في المنطقة ، ان الرئيس ترامب سيرد برفع مستوى التهديد وسيزيد من غلة العقوبات في سياق سياسة ( الضغوط القصوى ) وبالتالي تشديد الحصار، الصارم اصلا ،على الجمهورية الاسلامية .
كما وسيذهب هذا البعض الى الاعتقاد بان تصريحات السيد الخامنئي ستدعم عقيدة بنيامين نتنياهو والتي يروج لها في الداخل الاميركي ومحورها اجتثاث نظام الجمهورية الاسلامية ، باعتبار ان طهران الثورية لا أمل منها بالجنوح نحو الرضوخ والاستسلام لمشروع الشرق الاوسط الجديد والقبول بفرض ( الحاكمية الامنية الاسرائيلية ) على المشرق العربي .
غير ان التمعن في تفاصيل وجزئيات وتطورات ما سبق مواقف القيادة الايرانية حيال عرض الرئيس ترامب ،تبدو بوضوح العديد من المؤشرات التي تدلل على ان هذه المواقف ليست نهاية المطاف ، وانها لاتعني بالضرورة قطع شعرة معاوية الاخيرة مع احتمالات التفاوض .
فالسرعة اللافتة في صدور المواقف الايرانيةوبعد اربع وعشرين ساعة من قرارات ومواقف الرئيس ترامب ، يفهم انها درست بعناية منذ مدة وانها ليست رد فعل انفعالي وفجائي على ما صدر من البيت الابيض قبل ساعات ، وعليه يبدو واضحا ان ايران تسلمت الورقة الاميركية في الاسابيع القليلة الماضية.
إذن مواقف قائد الثورة تأتي عمليا وبالمحصلة في سياق دعم ( الديبلوماسية غير المرئية ) التي لا ترى في العرض الاميركي الاولي ،نسخة مقبولة يمكن البناء عليها ، ولذلك ذهب الموقف الايراني نحو ( الحد الاقصى ) عبر الضغط بقوة لحمل الطرف الاخر المتسلح بسياسة ( الضغوط القصوى ) على التراجع الى منطقة التقاء و تقديم ورقة بديلة اكثر مرونة وقابلة لمواصلة المفاوضات .
ودعما لهذا المسار من الشد واطلاق مواقف ( الحد الاقصى ) ، اجرت ايران في الاونه الاخيرة سلسلة مناورات عسكرية وكشفت عن تصنيعها حاملة طائرات وعن دفعة جديدة من الصواريخ والطائرات المسيرة القاصفة الى جانب تسلمها من روسيا عددا من طائرات ( سوخوي – 35) وذلك في اجواء تخللتها تصريحات نارية من القادة العسكريين الايرانيين .
ويلخص مصدر مسؤول في مؤسسة القرار في طهران ،مشهد الصراع بين الطرفين ، ويقول : ان كل ما تريده طهران هو:
– اتفاق نووي بنسخة اكثر ايجابية وبضمانات اكيدة مقارنة بنسخة اتفاق تموز يوليو 2015 .
– الابقاء على الترسانة الصاروخية مقابل تأكيدات وضمانات واقعية وعملية ايرانية بعدم الانتقال الى تصنيع السلاح النووي .
– الاعتراف بايران قوة اقليمية وانها جزء من الترتيبات الامنية في المنطقة ويجب احترام مصالحها الامنية والسياسية والاقتصادية في الاقليم .
– وقف التآمر على نظام الجمهورية الاسلامية مقابل سياسة ايرانية هادئة في الاقليم والمساعدة في معالجة ملفات امنية اساسية في المنطقة .
– كل هذا مشروط بخطوات اميركية واوروبية واقعية برفع كافة العقوبات عن ايران المفروضة منذ شباط فبراير عام 1979 .
الى ذلك ، ولكي ينجح خيار ( الحد الاقصى ) يتعين ان يحظى المفاوض الايراني بجبهة داخلية موحدة ومتماسكة على مستوى المؤسسة السياسية الحاكمة ، وعلى صعيد الشارع الايراني الذي يكفيه ابقاء نافذة الامل والتفاؤل مفتوحة ، والكلام للمصدر المسؤول .