20 ديسمبر، 2024 12:34 ص

بين التصوف والماسونية جذور النشأة والتطبيق

بين التصوف والماسونية جذور النشأة والتطبيق

بداية أود أن انوه أن كل الأفكار محترمة هي ومعتنقيها ونحن هنا لسنا بصدد انتقاد فكر أو الانتقاص من معتنقيه ولكننا وجدنا بعض التشابه في النشأة والتطبيق بين الفكر الصوفي ( الطرائقي بوجه خاص ) وبين الفكر الماسوني حسب الطقسين الايكوسي القديم المقبول والاسكتلندي القديم ففصلنا ذلك تفصيليا والله من وراء القصد .

هل الصوفية دين ؟ طريقة حياة ؟ شيء يشبه اليوجا ؟ أو إنها مجرد محاولة للتسامي ؟ هكذا يتسأل احد المهتمين بدراسة الحركة الصوفية في العالم الإسلامي .

يرى أركون دارول : إنها ليست شيئا من ذلك ولكنها طريقة سرية يعتقد أتباعها بأنها تمنحهم ذلك الشيء الذي رغبوا فيه بشكل لاواعي منذ سنين وفي هذا المستوى على الأقل صبغة دينية تنبع جذورها من التراث الصوفي الباطني العربي والفارسي الذي يربط مبدأ التوحد بالمبدأ الكلي عبر خلق حالة من الذهول والانشداه ولكنها في نفس الوقت طريقة علمية إلى حد بعيد .

المتتبع والدارس للحركة الصوفية الإسلامية يلاحظ وضوح التشابه الكبير بين الطرق الماسونية المختلفة وطرق التصوف الإسلامي ومن ابرز وجهه الشبه هو الوضع المبهم الذي يغلف كلا المنهجين الماسوني والصوفي في العالم العربي والإسلامي كما إن الاعتقاد المشترك بين الصوفية والماسونية هو انه إذا تم اخذ المبادئ وحدها أو جزء منها وطبقه فسينتج عنه شخصية غير متوازنة , فترى الصوفية والماسونية أنها ترتبط في مجموعها بنظام ممارسة وتدريب وإنها تمثل طريقة كلية لا يمكن تجزئتها . كما إن نظام الطاعة العمياء في كلا المؤسستين يتشابه بطريقة ملفتة فعلى المنتسب للماسونية أن يطيع أوامر قيادته حد الموت وهكذا الأمر في الطرق الصوفية يجب على المريد أن يطيع أوامر شيخه حد الموت . كما إن الشبه واضح في طريقة الانتساب للطرق الصوفية والطرق الماسونية فلا يسمح لأحد من المؤسستين بالبحث عن مهتدين أو منتسبين لان الانتساب يتم بطرق خاصة وبتزكيات من أقطاب وشخصيات محددة تنتمي لكل جماعة . ومن الملفت أن كلا الطريقتين تتبع نظام إشارات خاص بكل منهما لا يعرفه إلا المنتسب للطريقة فمثلا الصوفي يضع يده على عنقه بطريقة تتشابه مع الإشارة الماسونية لمنتسبي الدرجة الثالثة عندما يريد الكلام ويطلب الإذن من السيد . وهناك نظام إشارات سرية يتعارف بموجبها أعضاء المحافل الماسونية فيما بينهم وهكذا الأمر بالنسبة للطرق الصوفية فهناك إشارات يتم التعرف بموجبها بين أعضاء الطرق بينهم , كما إن نظام التدرج في كلا المؤسستين يتشابه إلى حد بعيد ففي كلاهما يتم اعتماد التدرج في الطريقة لحين الوصول إلى الدرجة العليا والتي تمثل صاحب السلطة وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تصريف أمور الطريقة الصوفية ومريديها أو المحفل الماسوني ومنتسبيه بمختلف درجاتهم , بل يتعدى الأمر إلى إن رائد الطرق الصوفية الجنيد البغدادي يقول : من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان . في الحلقة الصوفية يتم مناداة الأعضاء بأسماء مختلفة تبعا لدرجاتهم مثل حامل الأكواب أو باسط الفراش أو الجندي أو الفارس أو الأمير أو الأخ أو الصهر أو الخال أو حامل السيف والدرجات التنظيمية في الطرق الصوفية تتمثل بالعاشق كدرجة أولى وهو الراغب بالانتماء ولكنه ليس منتميا كليا والدرجة الثانية هي المحب وهو يعين سيدا والدرجة الثالثة هي الأب أو

سيد الحلقة والدرجة الرابعة هي الخليفة أو السابق أو المتقدم وهكذا الأمر في المحافل الماسونية التي تكون فيها لكل درجة اسم أو لقب مثل فارس الصليب الوردي أو فارس الشرق أو فارس الفأس الملكية أو المفتش العام الأعظم أو فارس القدوش وحسب الطقس الإيكوسي القديم المقبول الذي يعتمد شعار النظام بعد الفوضى ونتلمس الشعار بوضوح أثناء إقامة حلقات الذكر الصوفية التي تبدأ بطريقة فوضوية ومن ثم تبدأ تدريجيا بالترتيب ليكون شيخ الطريقة في وسط الحلقة كالشمس بين الكواكب ومن حوله المريدين يرددون كلمات معينة يعتقد الصوفيون أنها تحتوي على قوة معينة عند ترديدها بنبرات معينة وبعدد معين وبمقاصد مجردة تجعل العقل الإنساني يفيض بقوة طبقا لمعنى الكلمة مثل ترديد كلمة الحفيظ ثلاثة آلاف مرة يؤدي إلى الحفظ من الشر والذنوب حسب الرؤية الصوفية .

يرى الصوفيون أن الهدف من التصوف هو الإنسان الكامل الذي يجب عليه أن يستخدم كل خبرته ليكون عامل إشعاع في العالم لينير طريق الناس وليكون مثلا يُحتذى به من الآخرين وهذا الهدف ظاهر في الفكر الماسوني بوضوح .

جذور التصوف الإسلامي الموثقة بشكل كامل تعود إلى أن خمسة وأربعون شخصا تمتد جذورهم إلى قبيلة بني مزار اجتمعوا أثناء السنة الأولى من بعثة الرسول في مكة وسموا أنفسهم أصحاب الكعبة ونذروا أنفسهم للتأمل وتحسين شخصيتهم الداخلية والخارجية وكان هدفهم هو فعل الخير للآخرين والارتفاع لأقصى حد لتحقيق ما يقدر عليه الإنسان روحيا ودعوا أنفسهم خدم الحرم والذي يمثل الكعبة المقدسة عند المسلمين والتي تمثل البناء الأول للإنسان الأول والتي أعاد بنائها ابرأهم الخليل والواضح هنا أن فكرة البناء هي من المشتركات بين الماسون والصوفية فالماسونية تعني لغويا البِناء الحر أو البنائين الأحرار وهي في جذورها تمتد إلى حيرام أبي باني ومهندس هيكل سليمان ومن ثم تطور الفكر الماسوني من نقابة للبنائيين إلى مؤسسة تحاول أن تبني الإنسان والمجتمعات روحيا وفلسفيا وفق شعار إخاء مساواة تحرر .

كلمة صوفي مشتقة من الكلمة العربية صوف لان الصوفيون يرتدون الملابس الصوفية ويرى البعض الأخر بأنها مشتقة من الكلمة اليونانية Sophia والتي تعني الحكمة فالصوفيون هم الحكماء وهنا التشابه كبير بين الصوفية والماسونية في درجة الحكماء , ويرى البعض الآخر من الفروع الباطنية للتصوف معنى كلمة الصوفية بعددية رمزية سرية :

ص – الأرض

و – الإنسان الكامل – سمو المقام

ف – القوة – الملائكة

ي – المعين – المعبود

وبتجميع أعداد هذه الكلمات يصل إلى 186 وهو عدد يمكن أن ينقسم بالعدد العشري الأبجدي ليعني جزء الجهد والارتفاع إلى النجاح , وهكذا يمكن رؤية إن الباطني الصوفي يعتقد بأن الكلمات والأعداد تمتلك معاني قابلة للتبادل , وهذه من أوجه الشبه بين الماسونية والتصوف .

على عضو الطريقة الصوفية أن يمر عبر منفذ مكون من عمودين ينحنيان ليلتقيا في القمة ويرمز الدخول إلى المعرفة الحقيقية والنور وعلى الداخل أن لا يلمس العمودين أثناء الدخول ونرى نفس الشيء عند الدخول إلى المحافل الماسونية ووجود عمودي جاكي وبوعز التي تمثل أقوى الرموز في المحافل الماسونية .

طقوس الانتساب للصوفية تكاد تتماثل مع طرق الانتساب للمحافل الماسونية فتقدم المريد الصوفي إلى داخل الحلقة وحواراته مع المرشد والقسم الذي يتلوه والثوب الذي يعطى له بلون الحجر الخام والعصا والقصعة التي تذكره بطقوس الجماعة : التوحد والتماثل في المظهر الخارجي يمثل الثوب , والعمل والسلطة تمثلها العصا , والغذاء الداخلي والجسدي تمثلها القصعة , هذه الرمزية تتجلى بوضوح في المحافل الماسونية وفق الطقس الايكوسي القديم والمقبول والطقس الاسكتلندي حيث أن لكل درجة من درجات الماسونية ثوب أو مئزر خاص ونياشين خاصة وهذه الثياب والنياشين ترمز لمفاهيم فلسفية معينة تخص كل درجة من درجات الماسونية , وهكذا الأمر بالنسبة للملابس التي يرتديها الراقصون الصوفيون من طريقة ( المولوي ( مؤسسها جلال الدين الرومي ) ) فهي تعبر عن فلسفة خاصة بالعالم الآخر فالأبيض يرمز إلى الكفن والأسود يرمز للقبر , أما القلنسوة فترمز إلى شاهد القبر والثياب المزركشة ترمز إلى الجنة .

دروع أمراء الباخمان paghman وهم قادة التصوف الوارثين وهم أصل الطريقة النقشبندية تحتوي على صورة نسر على صدره علامة صوفية موضوعة في شكل مثمن وهذه العلامة بالعموم تتشابه مع علامة النسرين برؤؤس متعاكسة بين الشرق والغرب والتي تمثل المحفل الماسوني الانكليزي المنتظم .

مقامات الانتساب للطرق الصوفية والتي وضعها احمد عيساوي وهو أحد أئمة القرن الثالث عشر تكاد تكون نفسها المعتمدة في المحافل الماسونية وكما ورد في دستور أندرسون والذي يعتبر طريق عمل للماسون في أرجاء كثيرة من العالم . فالصوفي يسلم نفسه لتوجيه المرشد عاجزا بين يديه كالميت بين يدي الغاسل مسرورا بهذا لأنه يمثل الطريق الصحيح والمنتسب إلى المحفل الماسوني يسلم أمره بين يدي أستاذه ليُشكله مثلما يريد كما يتم تشكيل الحجر بأدوات الصقل والبناء .

الكثير من الأبطال الوطنيين في ارض الشرق كانوا منتمين لواحدة أو أخرى من الطرق الصوفية الرئيسية الأربعة وهكذا الأمر لأبطال التحرر في العالم فهذه أمريكا وآبائها المؤسسون وهم ينتمون إلى الحركة الماسونية العالمية مثل ابراهام لنكولن وجورج واشنطن .

الهدف المعلن للماسونية هو خلق نظام اجتماعي عالمي يعتمد حرية الأفراد بحيث لا تتقاطع مع حرية الآخرين والمساواة بين بني البشر ونظام الأخوة بين الجميع فالواحد للجميع والجميع للواحد , والتصوف الطرائقي لا يعدو أن يكون نظام اجتماعي غرضه بناء الإنسان وتطوير قدراته بالاعتماد على تطوير العلاقة بينه وبين ربه الكلي القدرة .

الصوفية والماسونية عبارة عن نتاج بشري محترم فهذه المكتبة الصوفية في الشرق تعتبر من أغنى وأعذب ما أنتجته البشرية على مدى قرون طويلة , وهذه الملاحم الخالدة مثل الكوميديا

الإلهية لدانتي تمثل الماسونية بكل وضوح ورائعة سندريلا التي كتبها احد الماسون وهذا شاعر الماسونية جبران خليل جبران يبقى شاخصا مهما تقادمت الأيام . فالتصوف والماسونية كلاهما أنجب عمالقة في التاريخ الإنساني . إن تأثير الصوفية على المجتمع الإسلامي خلاقا وصحيا إلى أبعد الدرجات وهكذا الماسونية كانت ذات التأثير الأكبر والخلاق في المجتمعات الغربية .

يقول حافظ الشيرازي فخر بلاد فارس في قصيدة صوفية له :

وقل لمن مضجعه في النهاية قبضتان من التراب

ما حاجتك إلى رفع الإيوان إلى الأفلاك ؟

ويا قمري – قمر كنعان – لقد أضحى لك مسند مصر

وقد حان الوقت الذي تودع محبسك

والمتتبع لشؤؤن الماسونية يعلم أن محفل ( شرق كنعان ) الموجود لحد اللحظة يعد من أقدم وأعرق المحافل الماسونية في المنطقة وكانت انطلاقته من مصر وهو يعمل ألان في لبنان تحت إدارة القطب الأعظم جوزيف أبو زهرة .

من الصعوبة أن نحدد من الأقدم ؟ الطرق الصوفية أم المحافل الماسونية ؟ ومن أخذ من فكر من ؟ وهل هذا التشابه والمشتركات هي محض صدفة ؟ أم أن احدهما أخذ من الآخر ؟

ولكننا متأكدين أن كل الأفكار محترمة وتمثل قناعات أصحابها ونحن لسنا بصدد نقد هذا الفكر أو ذاك .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات