حين تمر سياراتهم المزينة بالشرائط والبالونات والازهار وتعلوها قبعة التخرج في الشوارع يبتسم البعض لهذا الطقس الجميل وربما يرفع يده مهنئا الخريجين باتمامهم دراستهم الجامعية ، أما البعض الآخرفيهز يده استهجانا اواستهزاءا فلماذا يفرح الخريجون بتخرجهم وماالذي ينتظرهم غير بطالة وحسرة على أيام لن تتكرر في حياتهم الرتيبة المقبلة ..
احد سائقي سيارات الاجرة اعلن لجميع الركاب والمارة عن تخرجه عبر لافتة علقها على مركبته يقول فيها :” على طاري شهادة الهندسة ، تخرجت وعلقتها بالسايبا “!!!!
بهذه الطريقة يسخر الخريجون من شهاداتهم او يضعونها على الرفوف بانتظار فرصة عمل ، في الوقت الذي تمتلأ الوزارات والدوائر بموظفين جدد ربما لم يمض على تخرجهم الا عام واحد لأنهم وفدوا الى تلك الدوائر بوساطات و(دفعات ) و(صفقات ) وتوصيات من (جهات عليا ) وبعضهم جاء عن طريق احتكار حزب او طائفة ما لوزارة اودائرة وتعيين ابنائهم بالتالي حسب قانون ( الوراثة ) المستحدث فاذا غاب احد المتقاعدين عن تلك الوزارات او الدوائر يأتي من يخلفه من ابناء نفس الفئة او الحزب وكأنها ستظل ملكا لهم ..
من جهتهم ، يواجه الموظفون الذين فضلوا التقاعد على الدوام الرسمي المرهق دوامة كبرى وهم يتابعون معاملة التقاعد التي كانت تنجز وهم في منازلهم في السابق ويتم استدعاؤهم للاحتفال بتقاعدهم ومنحهم مكافأة نهاية الخدمة ..هذا ماكنا نراه في الافلام العربية القديمة وهكذا حصل آباؤنا على تقاعدهم ، بينما يغادر بعض المتقاعدين دوائرهم الى المستشفيات لاصابتهم بارتفاع في الضغط او متاعب قلبية او آلام في المفاصل بعد مسابقة الجري التي يمارسونها بين دوائرهم ووزاراتهم ودوائر اخرى لجلب وثائق قديمة وصحة صدور وطلبات أخرى ياتي بعضها بناءا على اجتهادات خاصة من الاقسام الادارية في الدوائرالتي تضم في الغالب موظفين لاخبرة ادارية لهم لذا يجيدون اهمال وتضييع الكتب الرسمية او ارتكاب اخطاء فيها يتحمل
وزرها المتقاعد نفسه فيظل يذهب ويعود ( باجر ) ويتنقل بين الدوائر رغم كبر سنه وصعوبة التنقل في الشوارع العراقية المزدحمة وانجاز المعاملات الرسمية بوقت قياسي بينما يجب معاقبة الموظف الذي يخطيء في كتاب رسمي او يضيعه ..
احدى المتقاعدات صار عليها ان تثبت بعد ربع قرن انها كانت طالبة في كلية الاداب ومازالت تتنقل بين كلية الاداب وكلية اللغات ودائرتها دون جدوى ومثلها العديد ممن فضلوا التقاعد على الوظيفة لحفظ كرامتهم فاكتشفوا ان المواطن العراقي قد يفقد كرامته بكل سهولة في الشارع او مقر العمل او أي دائرة رسمية مالم يكن من ( المبشرين ) بالجنة أي الحاصلين على ظهور قوية او توصيات من المسؤولين …
لهذا السبب يتقاسم الخريج والمتقاعد نفس الشعور …انهما عبء على البلد ولاحاجة لجهودهما كما يفتقد الاثنان ايضا الحصول على تقدير ومعاملة جيدة وحياة كريمة !