23 ديسمبر، 2024 5:52 م

بين التاريخ والسياسة

بين التاريخ والسياسة

الثقافة التاريخية – ونعني بها :
قراءة التاريخ قراءة تدّبر وتأمل ، واختزان الشواهد والقضايا الكثيرة التي يزخر بها في شتى الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأخبار والأسرار المتعلقة بالأشخاص والأشياء والدول والمجتمعات وطبائع الشعوب، وما تمر به من سلم ومن حرب، ومن توافق وتنازع، وسلب وايجاب، وخير وشر -، مهمة ومفيدةٌ للغاية …
انها قد تُسهم في تزويد أصحابها بنوع من الحصانة أمام العديد من العقبات التي توضع في طريقهم ، والمشكلات التي تُثارُ في وجههم ، والإشاعات المغرضة التي تبث ضدهم من قبل خصومهم ومنافسيهم …
وقد تُوصلُ المتعمقين منهم في سَبْرِ أغوار التاريخ الى قناعة مفادها :
ان الطريق ليس مفروشاً بالورد والرياحين أمام الناهضين والمصلحين ..
ان هذه الحقيقة ، عابرةٌ للأقطار والأعصار .
-2-
ان كثيراً ممن تُخلَعُ عليهم الألقاب الضخمة ، والعناوين الفخمة ، قد يلجأون الى أساليب بعيدة عن اللياقات الاخلاقية للإيقاع بمنافسيهم ، أو التقليل من شأنهم عند الناس ، خشية ان يعلو كعبهم،وخشية التأثير على مكانتهم العلمية أو الاخلاقية في نهاية المطاف .
الشاهد التاريخي :
جاءت كتب التاريخ لتؤكد على ان (يحيى بن أكثم )-قاضي القضاة – كان من هذا الطراز …
كان يحّب العلّو ، ويسعى الى إحراج العلماء أمام الناس، ليبقى منفرداً بعلّو الشأن،وَيَرْووُن في هذا السياق انه :
(( كان اذا راى فقيهاً سأله عن الحديث ،
أو مُحدِّثا سأله عن النحو ،
أو نحوياً سأله عن الكلام ، ليُخجله ويقطعه ، فدخل عليه  يوماً رجلٌ من أهل خراسان ، فناظره فرآه مُتَفَنِناً حافظا فقال له :
نظرتَ في الحديث ؟
قال :
نعم
قال:
ما تحفظ من الأصول ؟
قال :
احفظُ عن شريك عن ابي اسحاق عن الحارث ، أنّ عليا رضي الله عنه رَجَمَ لوطياً ، فأمسك ، ولم يكلمه ))
ان ما تُثيرهُ بعض الجهات السياسية من مزاعم بحق من تخشى من منافسته، لايختلف كثيراً ، عما كان يصنعه (يحيى بن أكثم ) مع العلماء الذين يخشى من صعود نجمهم ، وعلو كعبهم ، الأمر الذي قد يؤدي الى تحجيمه أو التقليل من شأنه …!!!
لماذا لَمْ يتذاكر مع الفقهاء بالفقه ؟
ولماذا لَمْ يتذاكر مع النحاة بالنحو ؟
انه يطرح عليهم المسائل البعيدة عن إهتمامهم ، كل ذلك بقصد الإحراج ، واظهار العجز .
كأنه يُريد ان ينتقم منهم دون ان تكون لهم جناية بحقه
وهذه خصلة من أرذل الخصال …
ان المساءلة  ليست لوجه الله ، ولا لوجه العلم ، وانما هي من أجل التفوق على المنافسين فقط .
وما تشهده الساحة السياسية العراقية اليوم، من مماحكات وممارسات، لاتخرج في كثير من مفرداتها عن هذا الاطار ..!!
-3-
والملاحظ ان أصحاب هذه النزعة لاتسلم لهم الجّرة في كل مرة ، وقد تُكسَرُ على رؤوسهم أحيانا، كما كُسِرتْ الجرّة براس يحيى بن أكثم على يد العالم المتفنن الضليع، الذي عرّض به من خلال الحديث عمّا لحق باللوطي من عقوبه ، باعتباره كان متهَماً بذلك .
إنّ من فتح هذا الباب على نفسه، لايعدم ان يجد من يجعله يعض أصبع الندم…
[email protected]