9 أبريل، 2024 8:01 ص
Search
Close this search box.

بين البيعة والديمقراطية لا وجود للعرب

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان الكلام عن الديمقراطية في منطقتنا الاسلامية ، سواء الكلام الذي يصدر عن الاسلاميين او عن العلمانيين ، انما هو كلام عن آلية لتداول السلطة فحسب في حين ان الديمقراطية منظومة متكاملة لا تمثل الالية الا جزءا منها.
    المؤكد ان الديمقراطية مولود غربي مثل غيره من مواليد النهضة الغربية ، من عقل ووضعانية وثورة صناعية وغير ذلك ، فقد نشات في رحم الغرب دهورا مذ كانت تسمية لحكم الرعاع ايام افلاطون الى سلطة الشعب ، والذي يعني طبقة الاحرار من الشعب ، لان هناك عبيدا لا يمكن ان يقال لهم شعب ، ثم الى نتاج عقد اجتماعي بدا بهوبز مرورا بلوك ، وجاءت صياغته الاخيرة على يد جان جاك روسو كعقد اجتماعي ، اطرافه الجماعة والحاكم الذي تخوله ادارة شؤونها بشروط محددة ، وان هذا العقد ليس ببعيد عن الذهنية الاسلامية ، فالبيعة التي بايعها المسلمون الاوائل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة كانت عقدا بين مسلمين امنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم على طاعته والدعوة بدعوته ، فهو ليس عقد حكم ، اذ ان المبايعين لم ينصبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاكما ، بمعنى خليفة لله تعالى ، وانما هو كان منصبا من الله تعالى ، اما البيعة فكانت على الطاعة ، ولكن هذه البيعة يمكن ان تستمر بعد الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتخول الاخرين شرعية الحكم ، على ان يتحول هذا العقد الى وثيقة دستورية تتضمن الشروط المتفق عليها من طرفي العقد ، الحاكم والمحكومين ، وما يترتب على اخلال اي طرف بالشروط ، فالمخولون بالحكم بناء على عقد البيعة لا ليحكموا كخلفاء لله على ارضه ، فلا خلافة لغير الانبياء عليهم السلام بنص القران الكريم المحكم ، في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، البقرة / 30} ، الذي يفسر بان المقصود منه خلافة بني ادم في اعمار الارض وليس في الحكم ، وان كان السياق لا يمنع ان يكون المقصود ادم عليه السلام ، كخليفة نبي يحكم وذريته كخلفاء اعمار لا يحكمون ، اما استنكار الملائكة فهو متوجه الى خلافة بني ادم وليس الى خلافة ادم عليه السلام ، وقوله تعالى { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ، ص / 26 } ، وهذه الآية واضحة في خلافة الحكم لداود عليه السلام ، وهاتان هما الايتان اللتان تكلمتا عن الخلافة كحكم خوّل الرسل ممارسته على الارض من قبل الله تعالى ، وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق وخاتم المرسلين يدخل في المخاطبين بهذين الايتين الكريمتين ، فرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( 571 ــــ 632م) كان سبق كل من هوبز ( 1558 ــ 1679م ) وجون لوك ( 1632ـــ 1704م ) وجان جاك روسو (1712 ـــ 1778م) بقرابة الالف سنة في ابرام اول عقد اجتماعي للبيعة على الطاعة ، وهو الانموذج الذي يصلح كعقد لاية حكومة مدنية تؤمن بقواعد الاسلام ، ذلك لانني لا ارى بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاكما دينيا ، وانما هم حكام مدنيون ، ان يحكموا ، على وفق شروط البيعة ، بما يتوافق والشريعة الاسلامية .
    من هذا المدخل يمكن ان نقارب الديمقراطية ، فالديمقراطية ليست وصفة جاهزة تتضمن مضادات الاستبداد ، يمكن ان يكون بها شفاؤنا من الاستبداد ، فالاستبداد قد استؤصل في بيعة العقبة الاولى وما تلاها من بيعات ، رسمت معالم نظام الادارة ليس على مستوى الحكم فحسب ، وانما على مستوى الحياة كلها ، رسمته بخطاب الشاهد المحسوس على مستوى الدنيا ، وبخطاب الغائب المعقول على مستوى الاخرة اي بخطاب واقع متحقق ، وخطاب رجاء يتحقق ان شاء الله ، والايمان متحقق لكلا الخطابين ، خطاب الشاهد والغائب ، وقد سارت الامور بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، على المسار الصحيح وطيلة حكم الراشدين الخمسة لان الحسن بن علي عليهما السلام هو خامس الراشدين عند المسلمين ، لكن الاستبداد بدا بحكم غير الراشدين من بني امية وبني العباس ، والى يومنا هذا يتعاقب المستبدون من رؤساء وملوك وامراء على السلطة ببيعات لا تختلف عن تلك التي عقدت تحت السيوف المسلطة على الرقاب بخطاب واحد هو خطاب ، امير المؤمنين هذا ، في اشارة الى معاوية ، فان هلك فهذا ، في اشارة الى يزيد ، والا فهذ في اشارة الى السيف الذي استل ، اضاف اليه العباسيون بدعة جديدة عندما عقدوا بيعتهم على يمين الطلاق لمن ينكل ، تلك البدعة التي افتى الامام مالك رضي الله عنه بانعدام شرعيتها مذكرا الامة المصابة بذاكرتها بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “ليس على مستكره طلاق” ما ادى الى ضربه بالسياط من قبل الحاكم العباسي المنصور ، وهذه الامة ستبقى مصابة بذاكرتها وبعقلها ما دامت تدافع عن المستبدين من حكام بيني امية وبني العباس ، ومن ورثوهم من المعاصرين.
    وعليه فالديمقراطية المولودة في من رحم الغرب ليست آلية ، وانما نظام كامل للحكم والادارة والحياة ، يقابلها في الاسلام نظام عقد البيعة الذي يعني تخويل الناس حاكما يدير شؤونهم على وفق ثوابت الدين وقواعد الشريعة ومبادئها ، اما الكلام عن الشورى كنظام حكم فهو كلام اجتهادي يفتقد الى الدليل السمعي ، ومن ثم لا جدوى من بحث دليل عقلي اذا انعدم الدليل السمعي ، وذلك لان العقل لا ينشيء حكما وانما هو كاشف عن الحكم السمعي فحسب ، وان نصوص القران الكريم التي تكلمت عن الشورى لم توردها كالية للحكم وانما كمفردة في نظام الحياة الاسلامية تقوم على تمحيص الاراء واستخراج الصحيح منها وتفعيله على صعيد الواقع ، ويمكن ان يكون هذا في اختيار الحاكم او غيره ، اما كون عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد عين ستة للشورى يختارون احدهم للخلافة ، فهذا لا يشكل دليلا شرعيا على كون الشورى من ضرورات الحكم ، خاصة وان الشورى لم تحدث الا مرة واحدة ، وانتهت الى خطا منهجي اسلامي ما زال حتى هذه اللحظة مؤثرا في العقل الاسلامي ، هو ان عبد الرحمن بن عوف اشترط على الاثنين اللذين راى ان الامة مجمعة على فضلهما ، علي بن ابي طالب عليه السلام وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، ان يحكما بكتاب الله وسنة ورسوله وطريقة الشيخين ، ابي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، فرفض علي ان يحكم بغير كتاب الله وسنة ورسوله ، وقبل عثمان فاختير خليفة ، ونحن نؤمن بان طريقة الشيخين لم تحد عن الشريعة ، ولكننا نؤمن ايضا بانها ليست مصدرا من مصادر الشريعة ، لا على صعيد الحكم ، ولا على أي صعيد آخر ، وان اختيار عثمان الذي قبلها ورفض علي الذي رفضها ، انما هو تصرف افضى الى خطا منهجي ترسخ في مسيرة الامة ، اضاف الى مصادر التشريع بدعة جديدة ادخلها عبد الرحمن بن عوف هي طريقة الشيخين ، والشيخان براء منها ، لانهما ما حكما الا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ساهمت الحكومات المستبدة التي تعاقبت على كرسي الملك في تكريس هذا الخطا المنهجي ، حتى اصبح الحديث فيه من المحرمات التي قد تلصق بصاحبها تهمة الكفر او الردة ، في ارهاب لا سابق له يوظف الحكام المستبدون ، لتكريسه وارهاب مناوئيه ، ماكنة دينية متسلحة بهيمنة هائلة ، مالية واعلامية وسلطوية ، ومن اوضح امثلة هذا الارهاب ، الحكم السعودي وعلاقته بالوهابية ، وليس هذا هو المثل الوحيد ، بل ان معظم القوى الاسلامية الحركية ، في شمال الارض وجنوبها لا تتورع لاجل تحقيق مكاسب حزبية من اللجوء الى الاسلوب نفسه ، وما هذا الاصطفاف الطائفي المقيت ، عند الطوائف كافة ، وهي طوائف وليست مذاهب ، لان المذاهب تعني تعدد زوايا رؤيا الحقيقة ومن ثم لا تعطي شرعية لاي ادعاء بامتلاك الحقيقة ، اما الطوائف فتعني انحصار رؤية الحقيقة في زاوية واحدة ، تدعي كل طائفة زورا ، انها الفرقة الناجية التي تمتلك الحقيقة كامة ،  وهذا الصراع الذي يدفع المسلمون ىثمنه من دمائهم وكرامتهم وسبل عيشهم ، ومن دينهم ، وتلك هي الطامة الكبرى ، ما هو الا مفردة من مفردات التوظيف لذلك الخطا المنهجي القاتل واذا ما كان تقعيد الديمقراطية غربية المنشا فقهيا يمكن ان يؤدي الى اسلمتها ، فان الافضل هو ان تقعد البيعة بما يتوافق ومعطيات كل ظرف زمني ومكاني لتفرز الية للحكم والادارة ، لا تقوم الا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وان تعود السيادة الى الامة الملتزمة بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي التي تنصب الحاكم وهي التي تخلعه على وفق اجراءات ينتدب لوضعها فقهاء شريعة وقانون ، ومفكرين ومثقفين وفلاسفة وغيرهم على ان تكون هذه الاجراءات مؤطرة بواقعها قابلة للحذف او الاضافة على وفق شروط يحددها الدستور.
    ان الانتخابات الشكلية المتظاهرة بالديمقراطية ، التي درج عليها المسلمون وبالخصوص العرب منهم ، والتي تنتهي الى فوز الحاكم بنسبة 99.99 ، والبيعات المضحكة التي تعقدها الاسر الحاكمة لتوريث الحكم ، لا هي من ديمقراطية الغرب ولا هي من بيعات الاسلام ، وانما هي نسخة مشوهة عن الاثنين ، هذه الحال ادت الى تصدع المجتمع الذي يجد ان التوازن معدوم بين متطلبات واقعه المعاصر ومتطلبات انتمائه التاريخي ، وكانت من اولى نتائج هذا التصدع ظهور التطرف الديني ، فالتطرف الديني احد اعراض مرض الدولة العربية المعاصرة التي تتمثل ازمتها بامرين ، هما التناقض مع الهوية التاريخية الاسلامية المتمثلة في بعناصر ثابتة اوجدها الانتماء التاريخي والحضاري الى الاسلام واخرى متحركة يتمثل في ما تكستبه من خصائص ومزايا ثقافية ، وافتقادها للشرعية التي تحقق الطاعة ، وهي شرعية دينية او شرعية سياسية ( انظر الديمقراطية بين الاسلام والعلمانية 106 وما بعدها ) ، والانكى من ذلك ان التطرف الديني هذا العرض المرضي للدولة العربية الحديثة المتهاوية بسبب الاستبداد ، وظف في خدمة الحكومات المستبدة ، فكل فصائل التطرف التي تعيث فسادا في ارض المسلمين ، تمول من الحكومات المستبدة ، وهذه الوظائفية الجديدة التي افرزها الحراك العربي تظاف الى مآثر الاستبداد العربي الممتد من الخليج الى المحيط .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب