الأسلوب هو طريقة في الكتابة تتماهى إلى حد كبير مع فن البلاغة. سواء كانت هذه الطريقة لكاتب معين أو لجنس من الأجناس أو لعصر من العصور. أي أن الإسلوب هو فن البلاغة الحديث الذي ظهر في القرن الثامن عشر الميلادي تحت عنوان: الأسلوبية. وقد تحول هذا الفن تدريجيا من طريقة في الكتابة إلى طريقة في الكتابة والنقد. حيث استعمل نوفاليس هذا المصطلح ( الأسلوبية) لأول مرة. علما ان نوفاليس قد أشكل عليه التفريق بين البلاغة والاسلوبية وكذلك اشكل التفريق على هيلانغ و فورسيستر من بعده.
أما رائد الأسلوبية الشهير ( بيرجيرو) فقد عرف الأسلوبية بانها( طريقة في التعبير عن الفكر بواسطة اللغة) وهذا التعريف مقبول عالميا رغم بساطته الواضحة، إلا أن هذه البساطة تخفي وراءها تعقيدات كثيرة، فإذا أردنا أن نتناول مفردات التعريف: ( طريقة ، تعبير ، فكر ، لغة) سنجد أن كل مفردة بها حاجة للتفسير. فكلمة (طريقة) غامضة لوجود طرائق كثيرة للتعبير، ولا تقل كلمة (تعبير) غموضا عن سابقتها، فهل التعبير هو الإنشاء المتعارف عليه؟ أم هو شيء جديد يختلف عنه؟ اما كلمة ( فكر) فهي غامضة وفضفاضة تتسع لكثير من الاحتمالات، منها الفكر الفردي (فكر المبدع) ومنها الفكر الجمعي المحلي (فكر المجتمع المحلي) ومنها الفكر الجمعي العالمي الذي حاول همنغواي كثيراً إيصاله من خلال كثير من رواياته. وهل اللغة المقصودة في التعريف هي اللغة التواصلية البسيطة؟ أم اللغة الثائرة على قواعد النحو(اللغة البلاغية)؟ وهل هذه اللغة مخلوقة من قبل الإنسان كما يرى كثير من النقاد غير الأسلوبيين؟ أم خالقة له كما يرى بروجيرو في مدخل كتاب الإسلوبية؟ فقد تحولت اللغة من اداة للكتابة إلى عامل مبدع للكتابة، من مخلوق إبداعي إلى خالق للإبداع. كما تحول الإنسان من خالق للغة إلى مخلوق من قبلها، وذلك من خلال جدلية الدرس بين الإنسان واللغة على مر التاريخ. فقد حاول الإنسان تطوير اللغة من خلال الدرس البلاغي إلى أن وصلت اللغة إلى حد استحوذت فيه على الإنسان، فأصبح جزءاً منها. وبذلك أصبحت اللغة خارج أنظمة التقعيد.
لكل تلك التساؤلات يرى بعض النقاد أن الأسلوب يكمن في الاختيار الواعي لأدوات التعبير ويرى بعضهم أنه عملية انتقاء واعية من اللاوعي. وهذا الاختلاف بين الكتاب والنقاد جعل الأسلوب أكثر غموضا، وجعل البحث في موضوعه أكثر تشتتا وتشويشا. فقد أُلف في هذا الموضوع أكثر من 2000 كتابا في 52 عاما ابتداءً من 1900 إلى 1952 .
ومعظم الكتاب توصلوا إلى أن الأسلوبية هي محاولة المبدع التحرر من سلطة اللغة المفروضة على المبدع من خلال قواعد اللغة المعقدة، والثورة على تلك القواعد التي تعطل الإبداع، ولم تكن هذه الثورة على مفردات اللغة بل على تراكيبها، ويدلل على ذلك الصراع الدائم بين النحويين والبلاغيين. فكلما تمكن المبدع من الخروج على القواعد كان أكثر تحررا، وهنا يجب التفريق بين خروج المبدع بشكل عام وهذا يتعلق بالجمال والإبداع، وبين إمكانية الخروج عن القاعدة ومستوى ذلك الخروج الذي يعد من مهمات النقد.
والفرق بين الأسلوب كمصطلح اشتقت منه الأسلوبية، والبلاغة يكمن في الأساس الذي نشأ عليه كل منهما. فهل أساس نشأة البلاغة العربية كان جماليا أم معرفيا؟ ولكي نصل إلى إجابة عن هذا السؤال علينا أن نأخذ البلاغة العربية على إنها علم البيان. والمعروف أن علم البيان يتناول موضوعات ( التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز) وأساس هذه الموضوعات هو التشبيه. والتشبيه قائم على تمثيل ما هو مجرد بما هو حسي والعكس غير مفهوم. وبما إن الشعر الجاهلي هو حسي بامتياز فلم تكن البلاغة عند الجاهليين غير التشبيه، إلا ما ندر.
أما بعد مجيء الإسلام وتغير مركز الكون عند العرب من الارتكاز على الحسي إلى الارتكاز على الغيبي. فقد تعرض التشبيه إلى إشكال : فمن غير الممكن تشبيه الحسي بالغيبي لان الغيبي فيه حاجة إلى تشبيه في الأصل. ومن غير الممكن أيضا تشبيه الغيبي بالحسي لان ذلك يوقعنا بالتجسيد.
وقد بدأت معاناة المعتزلة عندما وجودوا أن الله يشبه نفسه بأشياء محسوسة ( وجاء ربك والملك صفا صفا) (ثم استوى على العرش) ( إنك في أعيننا) (يد الله فوق أيديهم)، وهذا يتعارض مع مبدأ التنزيه عندهم، فحاولوا إيجاد مبررات لتلك المشكلة ،حيث بدأوا بالتأسيس لعلم يخرجهم من هذا الإشكال. وهو علم البيان ، الذي تغير اسمه بعد ذلك إلى علم البلاغة.
ونخلص من هذا: بأن نشأة البلاغة العربية جاءت على أساس معرفي وليس على أساس جمالي، ثم بدأت تتطور جماليا.
وكذلك كانت نشأة البلاغة عند اليونانيين إذ قسمت عندهم على أربعة أقسام ( الابتداع أو البحث عن البراهين) و(الترتيب أو البحث عن النظام الذي يجب أن تكون عليه هذه البراهين) و(التعبير أو طريقة العرض لتلك البراهين بشكل واضح)و( الفعل الذي يعالج القصد كسرعة النطق والحركات وتعبيرات الملامح). ونلاحظ أن أقسام البلاغة عن اليونانيين كان معرفيا عقليا بعيدا عن الجمال، وهو إلى الخطابة اقرب منه إلى الشعر، والسبب في ذلك هو تعلق اليونانيين بالفلسفة المعتمدة على العقل، فضلا عن مسرحية النص عندهم التي جعلتهم يضيفون القسم الرابع إلى أقسام البلاغة، وتعلق هذا القسم بالمسرح واضح جدا. ومن هذا نخلص إلى معرفية نشأة البلاغة عند اليونانيين التي تطورت فيما بعد لتتخذ الجانب الجمالي الذي نسميه اليوم: الأسلوب. علما أن الأسلوبية المعاصرة هي فن لغوي وأدبي معا، بينما البلاغة فن أدبي صرف.
وكما ان البلاغة تعرف بأنها: مطابقة كلام المتكلم لمقتضى حال المتلقي؛ فللأسلوب أقسام ثلاثة بحسب دائرة فرجيل الذي قسم الأسلوب إلى( بسيط و متوسط وسامي ) فالأسلوب المتبع ــ على مستوى المفردات ــ مع النص المتحدث عن الريف من النوع البسيط ومفرداته محدودة بالبيئة الريفية وهو يختلف جذريا عن النص المتحدث عن المدينة. أما النص المتحدث عن الطبقة العليا في المجتمع فيجده فرجيل ساميا من حيث المفردات والتركيب.
والتركيب أكثر تحديدا لنوع الأسلوب وسمته، فقد حدد بيرجيرو نوعين من التراكيب التي أسماها:(الصور)، النوع البسيط والنوع المعقد، وهذا ما نسميه في البلاغة بالإستعارة البسيطة والاستعارة المركبة، فكأن الاستعارات هي المحدد الطبيعي لسمة الأسلوب، ويرى بيرجيرو امكانية وضع جدول للاستعارات البسيطة كأن يكون المستعار:كذا، والمستعار منه : كذا، لكن هذا الجدول المقترح لا يمكن ان نحدده في الاستعارات المركبة التي لا حصر لها.
كما أن لجنس النص الأدبي علاقة وثيقة بتحديد نوع الاسلوب، فطريقة الكتابة في الشعر تختلف عنها في الرواية والقصة والاغنية، حتى ان بيرجيرو لم يفرق بين الجنس والأسلوب وعدهما بمعنى واحدا.