18 ديسمبر، 2024 4:12 م

بين الاهمال الحكومي وتراجع الاهتمام الشعبي

بين الاهمال الحكومي وتراجع الاهتمام الشعبي

في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني من كل عام يحتفل العالم بيومه الخاص بالتعليم وأهميته في رفع المستوى المعاشي والحضاري للامم ، وهو حسب الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ان يتم وضع التعليم مدى الحياة في قلب الجهود المبذولة للتعافي من الأمية ، وتعد التعليم خطوة مهمة للسلام. والتعليم يراد به تربية النشئ وتلقينه ابجديات الكتابة والقراءة والحياة ، ومن بعد العلوم والمعارف والمخترعات ، وهو عملية متتابعة ينهل منها الإنسان العلم والمعرفة منذ الطفولة حتى الكهولة ، وللتعليم في العراق قصة طويلة نشأت منذ إقرار القراءة الخلدونية ،وتأسيس المدرسة المأمونية في عشرينات القرن الماضي ، وأنشاء الروضة المركزية الملحقة بدار المعلمين في الحيدرخانة ، وقد نال التعليم في العراق اهتماما متغاييرا بتغيير الأشخاص والحكومات ، وقد كنا في الخمسينات على سبيل المثال ندرس في مدرسة مستأجرة وبدوامين الاول أربعة دروس ، والثاني بواقع درسين ولمدة ستة أيام دراسية ، وكانت نتيجة لذلك كله استكمال المناهج ، وإجراء إعادة عليها ، وكانت الامتحانات الوزارية من الشدة بما لا تمكن أحد من العبث أو عدم المثابرة أو عدم الالتزام بقوانين وضوابط الاستحقاق الامتحاني ، غير أن ما كان يصيب الريف والمدن البعيدة إهمال محسوس في مجال التعليم الابتدائي أو صعوبة كبيرة في مجال الحصول على التعليم الثانوي ، وقد كانت عملية تطوير التعليم في جميع مراحله مستمرة وبنوايا مخلصة خاصة بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ ، حيث تم توزيع الكتب المجانية على طلبة المدارس الابتدائية ، و٦٠ بالمئة مجانية للتلاميذ الفقراء في المرحلة الثانوية ، وقد ظل الاتحاد العام لطلبة العراق يطالب بسرعة تطبيق مجانية التعليم الثانوي والجامعي ، وقد بلغت الحركة التعليمية ذروتها في السبعينات بجهود رعاة العلم من المعلمين والإداريين المستقلين آنذاك ، حتى بات التعليم في العراق في مقدمة نظم التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب رأي الأمم المتحدة منظمة اليونيسكو ، فقد تطور التعليم الابتدائي لأن يكون الزاميا ، واستمر التعليم ايضا بكافة مراحله لأن يكون مجانيا ، حيث ارتفعت معدلات الالتحاق الإجمالية وبنسبة ١٠٠ بالمئة مع التساوي بين الجنسين ، وانخفضت نسبة الأمية للاعمار من ١٥ — ٤٥ إلى ما يقارب ال ١٠ بالمئة ، وعد العراق في حينه من أكثر دول المنطقة قلة في التسرب ، وقد بلغ الإنفاق على التعليم نسبة ٦ بالمئة من الناتج القومي ، أي ما يقارب ٢٠ بالمئة من ميزانية الحكومة ، وصار متوسط الانفاق الحكومي على الطالب ما يعادل ٦٢٠ دولارا أمريكيا ، وتم إرسال عشرات الآلاف من الطلبة المتفوقين للدراسات الأولية أو العليا في الخارج وفي الجامعات الرصينة ، وعادوا باختصاصات أكاديمية أو سريرية او عملية ، وكانوا نواة التنمية انذاك، ، غير أن اوضاع التربية والتعليم عادت القهقرى ، بعد حروب النظام السابق ، وعقوبات الأمم المتحدة ، والحصار الاقتصادي الذي شل كل مناحي الحياة ، فقد صار ما هو مخصص للتعليم ٨ بالمئة من ميزانيات الحكومة، وان ما يصرف على الطالب صار ٧ دولار تقريبا، وقد تأملنا خيرا بهذا المرفق المهم للبلد بعد سقوط النظام السابق ورفع العقوبات عنه ، غير أن ما واجه هذا القطاع من اهمال متعمد جعله في مصاف تعليم الدول الناشئة ، بل صار في كثير من احداثياته اقل من ذلك بكثير ، خاصة فيما يخص إهمال بناه التحية ، والالتفاف على مرتكزاته وسرقة أموال إقامة مدارسه ، أو بناء جامعاته ، وإهمال متعمد لمناهجه أو التلاعب بأفكار إجياله .
إن الطالب العراقي يعاني منذ عقدين من وطأة احكام المحاصصة وتعيين وزراء غير مختصين للتربية والتعليم العالي ، وهم ممن حسبوا على السياسة ولا هم بسياسيين أو ممن حسبوا على رجال الدين ولا هم بالمتدينين ، فرجل الدين أو من يتبع حزبا دينيا لا يهمل التربية أو التعليم لأنها من صميم تعلم أحكام الشريعة والدين ، فلا زالت مدارس اغلب قرأنا ومدننا طينية والشوارع المحيطة بها ترابية موحلة عند المطر قاحلة بلا شجر ، مدارس طاردة غير ملائمة للعملية التعليمية ، وجامعاتنا تراجعت امام تقدم جامعات العالم ، وابتدع حكام الزمن الاسود الجامعات والمدارس الأهلية على غرار مدارس الرأسمالية ، وصارت العملية التربوية والتعليمية عملية تجارية هدفها الربح لا بناء الصروح الأكاديمية ، وصارت تشترى فيها البحوث الصفية او رسائل الدراسات العليا الأكاديمية ، ويدرس فيها من زور الشهادة العلمية أو حصل عليها من الجامعات التجارية ، ودليلنا انتفاضة وزارة التعليم العالي على شهادات بعض الجامعات اللبنانية والإيرانية أو حتى التركية أو غيرها من جامعات الصفوة المتأمرة على العلم والمعرفة البشرية ،
إن ما تم تخصيصها من أموال لوزارة التربية والتعليم العالي في موازنة عام ٢٠٢١ لا يكاد يسد رواتب موظفيها او ما تحتاجه من نثريات يومية ، على امل تطوير هذه المرافق وفق خطة تنمية الأقاليم ( جيب ليل وأخذ عتطابة ) ضحك على الذقون وتلاعب في القوانين ،
إن التعليم في العراق في يومه العالمي صار يندب حظه العاثر لإهمال الدولة له ولتنازل المجتمع عن حقه فيه أو التغافل عن دوره في بناء مستقبل ابنائه ، وان الأمر صار مرعبا سييما وان المسؤول يمعن في دفع عجلات التعليم إلى الوراء لتظل موازين قوى التأثير لصالحه ولصالح الأميين ، وما زالت الأجيال تتابع وهي تشكوا من الأمية ، وتشكوا حالها هذه حتى في يوم التعليم العلمي ….