في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني من كل عام يحتفل العالم بيومه الخاص بالتعليم وأهميته في رفع المستوى المعاشي والحضاري للامم ، وهو حسب الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ان يتم وضع التعليم مدى الحياة في قلب الجهود المبذولة للتعافي من الأمية ، وتعد التعليم خطوة مهمة للسلام. والتعليم يراد به تربية النشئ وتلقينه ابجديات الكتابة والقراءة والحياة ، ومن بعد العلوم والمعارف والمخترعات ، وهو عملية متتابعة ينهل منها الإنسان العلم والمعرفة منذ الطفولة حتى الكهولة ، وللتعليم في العراق قصة طويلة نشأت منذ إقرار القراءة الخلدونية ،وتأسيس المدرسة المأمونية في عشرينات القرن الماضي ، وأنشاء الروضة المركزية الملحقة بدار المعلمين في الحيدرخانة ، وقد نال التعليم في العراق اهتماما متغاييرا بتغيير الأشخاص والحكومات ، وقد كنا في الخمسينات على سبيل المثال ندرس في مدرسة مستأجرة وبدوامين الاول أربعة دروس ، والثاني بواقع درسين ولمدة ستة أيام دراسية ، وكانت نتيجة لذلك كله استكمال المناهج ، وإجراء إعادة عليها ، وكانت الامتحانات الوزارية من الشدة بما لا تمكن أحد من العبث أو عدم المثابرة أو عدم الالتزام بقوانين وضوابط الاستحقاق الامتحاني ، غير أن ما كان يصيب الريف والمدن البعيدة إهمال محسوس في مجال التعليم الابتدائي أو صعوبة كبيرة في مجال الحصول على التعليم الثانوي ، وقد كانت عملية تطوير التعليم في جميع مراحله مستمرة وبنوايا مخلصة خاصة بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ ، حيث تم توزيع الكتب المجانية على طلبة المدارس الابتدائية ، و٦٠ بالمئة مجانية للتلاميذ الفقراء في المرحلة الثانوية ، وقد ظل الاتحاد العام لطلبة العراق يطالب بسرعة تطبيق مجانية التعليم الثانوي والجامعي ، وقد بلغت الحركة التعليمية ذروتها في السبعينات بجهود رعاة العلم من المعلمين والإداريين المستقلين آنذاك ، حتى بات التعليم في العراق في مقدمة نظم التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب رأي الأمم المتحدة منظمة اليونيسكو ، فقد تطور التعليم الابتدائي لأن يكون الزاميا ، واستمر التعليم ايضا بكافة مراحله لأن يكون مجانيا ، حيث ارتفعت معدلات الالتحاق الإجمالية وبنسبة ١٠٠ بالمئة مع التساوي بين الجنسين ، وانخفضت نسبة الأمية للاعمار من ١٥ — ٤٥ إلى ما يقارب ال ١٠ بالمئة ، وعد العراق في حينه من أكثر دول المنطقة قلة في التسرب ، وقد بلغ الإنفاق على التعليم نسبة ٦ بالمئة من الناتج القومي ، أي ما يقارب ٢٠ بالمئة من ميزانية الحكومة ، وصار متوسط الانفاق الحكومي على الطالب ما يعادل ٦٢٠ دولارا أمريكيا ، وتم إرسال عشرات الآلاف من الطلبة المتفوقين للدراسات الأولية أو العليا في الخارج وفي الجامعات الرصينة ، وعادوا باختصاصات أكاديمية أو سريرية او عملية ، وكانوا نواة التنمية انذاك، ، غير أن اوضاع التربية والتعليم عادت القهقرى ، بعد حروب النظام السابق ، وعقوبات الأمم المتحدة ، والحصار الاقتصادي الذي شل كل مناحي الحياة ، فقد صار ما هو مخصص للتعليم ٨ بالمئة من ميزانيات الحكومة، وان ما يصرف على الطالب صار ٧ دولار تقريبا، وقد تأملنا خيرا بهذا المرفق المهم للبلد بعد سقوط النظام السابق ورفع العقوبات عنه ، غير أن ما واجه هذا القطاع من اهمال متعمد جعله في مصاف تعليم الدول الناشئة ، بل صار في كثير من احداثياته اقل من ذلك بكثير ، خاصة فيما يخص إهمال بناه التحية ، والالتفاف على مرتكزاته وسرقة أموال إقامة مدارسه ، أو بناء جامعاته ، وإهمال متعمد لمناهجه أو التلاعب بأفكار إجياله .
إن الطالب العراقي يعاني منذ عقدين من وطأة احكام المحاصصة وتعيين وزراء غير مختصين للتربية والتعليم العالي ، وهم ممن حسبوا على السياسة ولا هم بسياسيين أو ممن حسبوا على رجال الدين ولا هم بالمتدينين ، فرجل الدين أو من يتبع حزبا دينيا لا يهمل التربية أو التعليم لأنها من صميم تعلم أحكام الشريعة والدين ، فلا زالت مدارس اغلب قرأنا ومدننا طينية والشوارع المحيطة بها ترابية موحلة عند المطر قاحلة بلا شجر ، مدارس طاردة غير ملائمة للعملية التعليمية ، وجامعاتنا تراجعت امام تقدم جامعات العالم ، وابتدع حكام الزمن الاسود الجامعات والمدارس الأهلية على غرار مدارس الرأسمالية ، وصارت العملية التربوية والتعليمية عملية تجارية هدفها الربح لا بناء الصروح الأكاديمية ، وصارت تشترى فيها البحوث الصفية او رسائل الدراسات العليا الأكاديمية ، ويدرس فيها من زور الشهادة العلمية أو حصل عليها من الجامعات التجارية ، ودليلنا انتفاضة وزارة التعليم العالي على شهادات بعض الجامعات اللبنانية والإيرانية أو حتى التركية أو غيرها من جامعات الصفوة المتأمرة على العلم والمعرفة البشرية ،
إن ما تم تخصيصها من أموال لوزارة التربية والتعليم العالي في موازنة عام ٢٠٢١ لا يكاد يسد رواتب موظفيها او ما تحتاجه من نثريات يومية ، على امل تطوير هذه المرافق وفق خطة تنمية الأقاليم ( جيب ليل وأخذ عتطابة ) ضحك على الذقون وتلاعب في القوانين ،
إن التعليم في العراق في يومه العالمي صار يندب حظه العاثر لإهمال الدولة له ولتنازل المجتمع عن حقه فيه أو التغافل عن دوره في بناء مستقبل ابنائه ، وان الأمر صار مرعبا سييما وان المسؤول يمعن في دفع عجلات التعليم إلى الوراء لتظل موازين قوى التأثير لصالحه ولصالح الأميين ، وما زالت الأجيال تتابع وهي تشكوا من الأمية ، وتشكوا حالها هذه حتى في يوم التعليم العلمي ….