23 ديسمبر، 2024 3:31 ص

بين الادارة الامريكية ولجام الصهيونية .. تفكك وانقسام يشق مساره

بين الادارة الامريكية ولجام الصهيونية .. تفكك وانقسام يشق مساره

من المعروف ان الولايات المتحدة الامريكية , لاتمتلك هويةوليست منصهرة بقومية واحدة , وهذا يعني انها بطبيعة الحال تتكون من اقوام مهاجرة وذات اديان وطوائف متعددة , وفي ظل ظروف هذه الدولة التي سعت منذ عقود الى حكمالسيطرة على العالم عن طريق القوة العسكرية , لابد ان ينجم عن هذه الأقوام المتعددة انتقادات سياسية واقتصادية وثقافية ترتكز في بعضها على التعاليم الدينية ,

وهذه الإنتقادات تكون مدعاة الى عدم الاستقرار السياسي الذي يقود احيانآ الى الإرتباك واحيانآ الى التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة ذات الصلة بالأمن القومي مثلآ او في جوانب من قطاعات اخرى , وهذا الارتباك والتردد يستلزم اتخاذ قرارات معينة للسيطرة عليها , واحداها تمثل القوة التي تتسم  بوسائل براغماتية , وترك اخرى رهن التجميد , لذلك تعمد الادارة الامريكية احيانآ الى ربط تنفيذ قراراتها الاستراتيجية الخاصة بالضرائب مثلآ بحكومة اخرى خاضعة وعميلة لها لتحقق اهداف اقتصادية بعيدآ عن فرض ضرائب على شعبها ,

او تخفّض تلك الضرائب الى حد ادنى مقبول لكي تضمن استقرارا سياسيآ وديمقراطيآ يكافيء اسكات الاصوات في المجالس والمنظمات المدنية المحلية التي تعارض اجزاء من سياسة الضرائب وخاصة ذات المدى الطويل , ولكن من دونان تتبين الادارة عما هو ارتب حال لتلك القوميات , فإن عواقبها في الجانب السياسي ستكون اشد وطأة وامضى كراهة على الحكومة بحيث تقود الى خلق انقسام طائفي وطبقي يخل بالشروط الديمقراطية التي تحرص عليها في عدم تداعي احجارها وينهار معها شكل الاتحاد المتماسكالذي تدعيه بين القوميات ,

بهذا التدارك لماقبل العواقب السياسية , يتضح ان دأب الإدارة الامريكية كان ومايزال ان لاتنوء تحت سياط النقد الذي يصنع العقبات , بل ويرفعها الى حالة اللاتوازن ومن ثم الى الإنقسام بين الحكومة الامريكية والقوميات الدينية في الولاية الواحدة او اكثر بالمقارنة مع  نموذج الأتحاد المعياري الذي تخطط وتسعى اليه ,

في مقالات سابقة نشرت في موقع كتابات , ومنها مقالة بعنوان مظاهرات الجامعات الأمريكية : قاعدة إنقسامشعبي وثورة رفض للسياسة المؤيدة للصهيونية , فقد اشير بها الى ان الحكومة الأمريكية لم تنظم سياستها مع الشعبوفق اسس أخلاقية ,  وخاصة بين صفوف الشباب المثقف الذي لم يعد   يخضع لهذه السياسة الموروثة بشكل متواتر , وقد بيّنت المقالة اعلاه من ان الإنقسام سيترسخ بين صفوف المجتمع الأمريكي ,

وهاهو الآن بعد عملية طوفان الأقصى , فقد اخذ يتطور ويشق مساره , ويتعدى المظاهرات التي لوّحت به في اول الأمر عن رفضها لتلك السياسة , الى الإستقالات عن الوظائف المدنية والعسكرية احتجاجآ على دعم الإدارة للإبادة الجماعية في غزة ,

ففي  المضمار الوظيفي المدني استقال الكثير من الموظفين في وزارة الخارجية والداخلية والتعليم , وفي المضمار العسكري استقال في تشرين الثاني 2023 الرائد في البنتاغون هاريسون  مان , بسبب سياسة حكومتهم الداعمة للكيان الصهيوني قائلآ :  ” لقد سمحت الولايات المتحدة الأمريكية وأذنت بقتل وتجويع آلاف الفلسطينيين الأبرياء , وبإعتباري من اصول يهودية اوربية , فقد تلقيت تنشئة اخلاقية متشددة عندما يتعلق الأمر بتحمل المسؤولية عن التطهير العرقي ” .

بهذه الإنشقاقات في الإدارة الأمريكية التي تراها من جانبها معاداة للسامية , فقد تشكلت القاعدة الأولى للتفتت بين المجتمع الأمريكي المتعدد القوميات والأديان , لتوضّح تمامآ كم خسرت الإدارة الأمريكية جراء سياستها الداعمة لدولة الكيان اثناء الحرب على غزة , وانضمامها الى التداولمع دول اوربا بمصطلح معاداة السامية المزيف الذي يحرّم نقد الصهيونية لتحقيق اهداف جرائمها ضد الشعوب , وهذا لاشك عبّر عن نتائج مسار الأخلاق الهشة الذي اتبعته السياسة الأمريكية عند التعامل مع الشعب الأمريكيوبالأخص مع موظفي ادارتها وشريحة الطلاب الجامعيين منذ عقود .

ختامآ , لايمكن للإدارة الأمريكية ان تنأى عن ذلك المصطلح وعن الإنقسامات العميقة التي تنتظرها مالم تبعد عن ارادتها السياسية لجام الصهيونية الذي تسبب بإزدرائها في كل مكان من العالم , والإسراع الى تحسين صورتها امام المحتجين , والنأي عن سياسة الكذب والتدليس التي تتبعها مع شعبها والعالم , وتستبدلها بسياسة تعظّم قيمها الاخلاقية بشكل متوازن وتضع مصلحة بلادها على قدم المساواة مع قوانين حقوق الإنسان , فضلآ عن اتباع سياسة الحياد وعدم التدخل بغير المعايير الدولية التي تمثلها المنظمة الدولية  في المنازعات الأقليمية والدولية ,

وإن لم تفعل فهذا يعني انها تعترف امام شعبها جهرآ ,فضلآ عن العالم انها مع مؤسساتها وتقاليدها كانت ومازالت بإرادة مصممة بالأساس على السير بلجام الصهيونية وبلا قيد اخلاقي البته , وها هو الإنقسام اليوم يشق مساره في المجتمع الأمريكي ليقود حتمآ الى سلسلة من إنقسامات وإنشقاقات اكثر عمقآ بين سائر القوميات والأديان ولا بد سيتأسس على المدى البعيد عالم امريكي جديد بعيدا عن لجام الصهيونية وقيد السياسات التي اتبعتها  الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة .