بما أن ماراثون الانتخابات المقبلة، بات انطلاقه الرسمي قاب قوسين أو أدنى، وشد المرشحون عزمهم بما أوتوا من قوة وبأس شديد، بالترويج عن مفاتنهم ومحاسنهم وبطولاتهم الموعودة، يتوجب عليهم إدراك حقيقة هي أصلا غير غائبة عن ذوي الألباب والأسوياء من الناس، تلك هي أن الجمال الظاهر لا يدخل ضمن شروط المتقدم للانتخابات، واتخاذه وسيلة للترويج والإعلان يعد ضحكا على ذقون الناخبين وخدعة لاتغتفر، وسيعيها الناخب إن عاجلا أم آجلا، وسيكون رده قاسيا بعد أن يجبر على الدفاع عن حقوقه بأية وسيلة كانت. لذا على المرشح المتسابق توخي مؤهلات أخرى غير ظاهرة، يلمسها الناخب بعد حين في يوميات حياته وتفاصيلها، وسيكون هذا بعد فوز من سيصطبغ إصبعه من أجله بنفسجا، تلك المؤهلات هي التي تشكل مقومات فوزه بالنتيجة النهائية. وقطعا لن يكون هذا بسهولة الإعلان والترويج والدعاية فحسب، إذ هو يتطلب -أول مايتطلب- الشفافية فيما يرد في الإعلان من تعريف وتوصيف، وأهم من هذا، المصداقية في الوعود والوفاء بها، وكذلك تنفيذ العهود وعدم نقضها.
في مقبل الأيام ستتنوع أمام أعيننا وعلى مسامعنا أشكال الترويج وأنغام التدليل على الشخوص المرشحين، ويشمل البهرج الفتان هذا أعمال المرشح وأفعاله، الماضية منها والموعودة مستقبلا، فيما لو حقق أكبر أصوات تؤيده وتفضله على غيره من المرشحين. وهو أمر هين في زمننا هذا، إذ أن وسائل الإعلان والترويج اليوم باتت بمتناول يد المرشح، بكل زخارفها الصحفية والإذاعية والتلفزيونية إلكترونيا، وهذا مايروج سوقه، ويبيض صفحته وإن كانت سوداء -وهي عادة كذلك- ويزيد من مساحة ناخبيه عددا ورقما لصالحه. أذكر طرفة لها مغزى أظنه قريبا كل القرب لما أرنو الوصول إليه، إذ يحكى ان الأسمر قال للأبيض -في محاولة للانتقاص من جاذبية ذوي البشرة البيضاء-:
– كل الشعراء والمغنين يتغنون بالأسمر، ويتغزلون بمحاسنه، ويتشببون بخفة دمه، ويستعذبون ظرفه وحلاوته، أما الأبيض فلا أحد يذكر من محاسنه شيئا.
فرد عليه الأبيض:
– ذلك لأن الأبيض لايحتاج دعاية..!
هي طرفة قد يتخذ منها ذوو البشرة السمراء مؤهلا لاعتلاء منصة التفضيل على أقرانهم البيض، مقابل هذا يستند اليها الأبيض لتبرير اعتلاء الأول تلك المنصة، في حين أن أولوية التفضيل له حسب ظنه. وفي كلا الحالتين فالإثنان موهومان في تصورهما، إذ ان الأفضلية لاتقاس وفق مقياس ضيق كلون البشرة، فهناك من هو أفضل بمقومات ومؤهلات أخرى، لاتمت الى المظهر والمنظر بصلة، بل يؤخذ الجوهر والمخبر بعين الاعتبار، وعليهما يعول وضع المرء في ميزان الأفضلية، وقد قيل في هذا:
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
إن الحديث عن المرشح لايجدي نفعا، إذ هناك حقيقة صارت بديهة يدركها الموطن مهما كانت ثقافته، تلك هي أن جل المرشحين يرون في فوزهم بالانتخابات صيدا وفيرا، وفرصة للثراء لا تفوّت، وكيف لا..! وأبواب خزانة الدولة مشرعة عن آخرها لهم ولكتلهم وأحزابهم، وهي حلال عليهم بفتوى شركائهم الرقباء في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية، وإن كان هناك شيء من الحساب، فهو لايتعدى كونه دغدة مشاعرهم، بانتقادهم من على منابر الجمعة -الجمعة فقط- وتذكيرهم بأن سرقة المال العام (لا تجوز حبابين).
فالحديث إذن، يكون عن الناخب أكثر جدوى وأعم نفعا وأبلغ تأثيرا، ذلك ان الأخير هو من يتحمل سوء النتائج ان حصل لبس في الانتقاء، وعليه وحده تتداعى مردودات اختياره الخاطئ، وعلى رأسه (وراس الخلفوه) تقع فأس ترشيحه، إن لم يضع علامة الصح بموضعها الصحيح.
إن المساحة الإعلانية للمرشح أخذت أبعادها طولا وعرضا كما شاء، كذلك مساحة نقد المواطن اتسعت عند بعض المرشحين وانحسرت عند آخرين، إلا ان الأمر كله حتى اللحظة لايتعدى التخمين والحدس من جانب الناخبين، إذ أن أغلبهم لايتوانى عن استشارة صديق او جار او حتى مستطرق في سبيله، مستفسرا عمن سينتخب!، إذ هو بأمس الحاجة الى وضع إصبعه على الجرح الغائر في جسد بلده، الذي نزف طيلة عقود بفعل نظام متعسف، ثم استمر نزفه بعد زوال النظام واستمرار التعسف، ومن غير المعقول ان يستمر النزف من دون توقف، وقد لُدغ الناخب من الجحر ذاته، ثلاث مرات عجاف، ويكون من المعيب اللدغ للمرة الرابعة.
كل هذه المعاناة ولدت لدى المواطن الحاجة الماسة للوصول الى الاختيار السليم، وهذا قطعا لن يتم بالألقاب الرنانة والصور الـ (High Quality) التي ستملأ حتما الشوارع والتقاطعات وواجهات البنايات في مقبل الأيام، فالمرشح -الشريف- لايحتاج ترويجا، وكما قال الأبيض لصاحبنا الأسمر: (الأبيض لايحتاج دعاية).