الكثير من القصص في سياقها التاريخي تخبرنا أن حتى اللصوص وقطاع الطرق في الزمن البعيد والقريب كانوا يملكون الشرف والنزاهة وان كانوا يمتهنون هذه المهنة وكثيرة هي الأسماء في التاريخ تتحدث عن القادة اللصوص الشرفاء إذ مجدهم هذا التاريخ ولعل منهم عروة بن الورد والسليك بن السلكة وسارية الكناني وأبو عبيدة بن أيوب العنبري وعامر بن الطفيل وأبو الطحمان القيني وغيرهم ممن اشتهروا على الرغم من مهنتهم في قطع الطريق والسلب والنهب والسطو المسلح على القوافل كانوا يملكون من الصفات والكرم والجود لذلك لقبهم التاريخ بالصعاليك .
ولكي لا نطيل على القارئ الكريم سنأخذ نموذج الشاعر الكريم عروة بن الورد فعلى الرغم من قيامه بالسطو على الأغنياء والسيطرة على أموالهم وما يملكون ، كان يجمع المرضى والفقراء والجياع من إطراف القبائل وليس من قبيلته فحسب ويأتي بهم الى مكان سكنه ويمدهم بالعلاج والمأكل والمشرب والملبس حتى يتعافون وتقوى أجسامهم ومن ثم يغير بهم على الأغنياء البخلاء ويهاجمهم في عقر دارهم أو في طرق تجارتهم ويوزع الغنائم على الفقراء وهو واحد منهم بحيث يعود هؤلاء أغنياء إلى ديارهم .
ويحدثنا التاريخ أن عروة بن الورد لم يهاجم رجل غني كريم ولم يخطف طفلا أو امرأة أو رجلا إلا كان هذا الرجل غنيا بخيلا إذ يطالب قبيلته بفدية يوزعها على الفقراء والمعدمين والصعاليك هكذا كان يفعل الصعاليك في ذلك الزمن بالرغم من أنهم لصوص وقطاع طرق فقد يطلق عليهم في هذا الزمن مصطلح ( إرهاب ) ، في حين هو ربما يطبق حسب اعتقاده القول الشريف ( للفقراء حق في أموال الأغنياء ) .
مقارنة بسيطة لإرهاب عروة بن الورد وإرهاب اليوم هل هناك فرق ، الإجابة قد تكون غير دقيقة ، وقبل الإجابة لابد من طرح السؤال ، هل هناك ذرة من شرف عروة بن الورد وارهابة مقارنة بإرهاب القاعدة والمجاميع المسلحة في العراق وسوريا وغيرها من الدول العربية ، فإرهاب هذا الزمن جمع عناصر الخسة والنذالة والتنصل عن الشرف والضمير وحمل مرض الحقد على الإنسان والإنسانية والكراهية بأبشع صورها فقد قتل العزل المدنيين والسطو المسلح على الناس والمحلات لم يفرق بين غني وفقير بين شيخ وطفل راح يغتصب المال لقتل الناس وشملت جرائمه جميع إفراد المجتمع الطفل والمرأة والشيخ الكبير هذا هو الصنف الأول أما الصنف الثاني فهو أكثر نتانة وخسة ودناءة من الصنف الأول وهو الإرهاب الذي يسرق الذي يسرق المال العام ويستغل الفقراء والجياع ويأكل أموال اليتامى والمساكين في ظل حماية الدستور والقانون ، وكان يفترض في ظل هذه الحماية إصلاح حال الناس الذين يتطلعون لحسن أداء الطبقة السياسية بعد عقود من الاستبداد والطغيان من نظام قمعي .
إذن كم نتمنى أن يحل بيننا إرهاب عروة بن الورد وإقرانه من الصعاليك الذين يراعون الشرف والضمير في الدفاع عن الفقير والمريض والمحتاج ولا يقتلون الطفل والمرأة والشيخ ولا يسرقون المال العام باسم الدين ، فإرهاب اليوم يقتل بالجملة والأسلحة الكيماوية ولا نعرف نوع الكراهية التي يحملها هذا الإرهاب ومن يدعمه ولأي جهة يعمل ، فباسم الخالق يذبح المخلوق وتحت عباءة النسك والتعبد يسرق المال العام ، وباسم الفتاوى يقتل المدنيين فتاوى فقهاء لندن ونيويورك وتل أبيب ، فما الذي سنعرفه إذا ما قارنا بين إرهاب عروة بن الورد وصعاليكه وبين إرهاب اليوم ومجرميه ، نعم سنعرف عبارة واحدة فقط تقول إرهاب الأمس صف لإرهاب أعداء الإنسان والضمير إما إرهاب اليوم فهو صف لإرهاب الإنسان والضمير .