كان الأسلام معتقدا دعويا تاريخيا في حقبة قبلية جاهلية معينة ، موصوفة الزمان والمكان – وهي حقبة ” أسلام محمد “، وأخذ هذا المعتقد صيغا أخرى بعد محمد ، وفق حكام ودول العهود المتعاقبة .. هذا ما سأناقشه في هذا البحث المختصر .
1 . كانت حقبة وعهد محمد قبل 14 قرنا ، رسالة ودعوة ، وبذات الوقت ، كان محمدا يحكم وينفذ ويفتي ويغزو ويسبي ، وكان متعدد الزيجات ، أضافة لملكات اليمين والعبيد والأماء .. ، كل ذلك تم وفق رؤية فكرية وشخصية فردية بحتة ، وكنت قد تكلمت عن تطور هذه الرؤية ، وعبرت عنها بالشخصية المحمدية ، في أربع مقالات منشورة – في مواقع الحوارالمتمدن ومفكر حر وكتابات .. ، بعنوان في ” الشخصية المحمدية ” . وكانت كلمة محمد أنذاك هي العليا ، وفق المعتقد الأسلامي – يأمر بما أنزل أليه من نصوص ، ويحدث بما يوحى له ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى / 3 ’ 4 سورة النجم ﴾ ويمكن القول ، أن هذه الحقبة هي حقبة ” أسلام محمد ” وكانت مدتها 23 عاما ، أنتهت بموته عام 633 م .
2 . وبعد أن قضى محمدا ، وأنتهت دعوته ، وبدأ عهد السلطة والحكم والقوة / لأصحاب محمد وتابعيه ، واجه أصحابه معضلة رئيسية ، وهي عدم وجود مرجعا يحكمون على أساسه ، لأن القرآن لم يدون في عهد محمد ، بل في خلافة عثمان بن عفان / وهو وقت تدوين القرآن الفعلي ( فالصحيح أن القرآن لم يجمع على عهد الرسول في مجلد واحد ، وأنه يتنزل الفقرة بعد الفقرة حسب الوقائع والحوادث ، بل كان متفرقاً في صدور الرجال ، وقد كتب بعض الناس منه في صحف وجريد ولخاف وهي حجارة بيض رقاق ، واستمر الحال هكذا إلى أن استحر القتل في القراء يوم اليمامة في عهد الصديق ، وأمر زيد بن ثابت أن يتتبع القرآن فيجمعه .. / نقل بأختصار من موقع أسلام ويب ) أما ما قيل من أن القرآن محفوظا في الصدور ، فأن الأمر لم يكن عمليا ومقنعا في الفصل والقضاء ، وأرى أن الحكم كان حكم الخلفاء – تحت مظلة القرآن . لذا أن الحقب الزمنية التي تلت عهد محمد ، كان عهدا ممكن تسميته ” أسلاما أخرا ” ، لعدم وجود المرجعية ، حيث كان الحكم مبنيا على المصالح السياسية والقبلية ، والفقهاء كانوا يفتون لمصلحة الحكام – حتى وأن كان ذلك مخالفا للشريعة ، وكان معظم ما يشغل الحكام : قضايا توريث الملك وأحتلال البلدان والغنائم والخراج والسبي والجواري والغلمان
3 . وخلفاء الأسلام ، أعتمدوا أيضا / أضافة لما سبق ، في بعض قضايا وتفاصيل حكمهم على الأحاديث – قبل أن تدون ، وهي بالغالب أحاديث مخترعة ومختلقة ، فهذبوها بما يتفق مع مصالحهم وغاياتهم ، وكتب الأحاديث ذاتها لم يتفق عليها بين المسلمين – فقهاءا وتابعين ، وذلك لأنها تضم الغث والسمين ، الحسن والضعيف ، الأحاد والمتواتر . فأهل السنة والجماعة ، لهم كتبهم ، وأهمها صحاح (1- الإمام البخاري 2- الإمام مسلم 3- الإمام أبو داود 4- الإمام الترمذي 5 – الإمام النسائي 6 – الإمام ابن ماجه / نقل من موقع الأسلام سؤال وجواب ) أما الشيعة فلهم رأيا أخرا ( حيث يعتقد علماء الشيعة أن هذه الكتب حاوية لأحاديث معتبرة ، كما أنها تحوي أحاديث غير معتبرة إلى درجة إن بعض الأحاديث فيها منافية لمسلمات النص القرآني ومسلمات العقل .. / نقل من موقع ويكي شيعة ) . أما الصحاح عند الشيعة ، فهي غير ذلك (( قال محمد جواد مغنية : وعند الشيعة الإمامية كتب أربعة للمحمدين الثلاثة : محمد الكليني ، ومحمد الصدوق ، ومحمد الطوسي ، وهذه : الاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، والكافي ، والتهذيب ، وهذه الكتب عند الشيعة تشبه الصحاح عند السنة – المصدر / كتاب الوحدة الاسلامية [ مقال لمحمد جواد مغنية ص ٢٦١ ] )) . وهذا يعني أن مصادر التشريع لدول الأسلام المتعاقبة ، لم تكن واحدة ، بل كانت وفق ما يميل أليه مذهب وهوى الحاكم ، وهذا أيضا يعتبر ” أسلاما أخرا ” .
4 . ركز رجال الأسلام على الخلافة الماضوية ، دون الأسلام كمعتقد وأيمان ورسالة ، وسعى الرجال الى أعادة الخلافة الأسلامية ، دون النظر في التطور المعتقدي للأسلام ذاته ، وذلك لتغير الظروف المجتمعية ، أضافة لتبدل الأوضاع الزمانية والمكانية . لم يؤسس الأسلام ، بأي شكل من الأشكال ركائز دولة بالمفهوم الحديث ، فدولة أيران مثلا ، القائمة سنة 1978 م ليست دولة بالمعنى القويم للدولة / لأنها تعتمد على مفهوم الولي الفقيه المذهبي ، وكذلك ما كان سيحدث في مصر لو أستمر زمن جماعة الأخوان المسلمين عام 2012 م / أبان رئاسة محمد مرسي ، يضاف الى ذلك المملكة العربية السعودية / الوهابية المرجع .. أن الدول المذهبية والقومية والعرقية .. ليست دول بالمفهوم الحداثوي ، وأنما هي نظم أنتقائية فئوية مذهبية ، سميت مجازا دولة ! ، والدول الدينية المذكورة أنفا / تعتبر أيضا ” نهجا أخرا للأسلام “.
خاتمة : تعددت العهود والأنظمة والدول ، وتعاقب الخلفاء والحكام والأمراء ، ووفق هذه المتغيرات ، تبدلت صيغ الأسلام وتنوعت أحكامه وشرائعه – وفق هوى ومصالح الحكام ، ولم يبقى لنا من أسلام محمد في عهود الدول اللاحقة من شئ ! ، سوى الأسم ! . فكل حاكم صنع له أسلامه الخاص به ، وقال فقهائه ووعظائه لهذا المعتقد ، أنه هذا هو ” أسلام محمد ” ! .. ومن جانب أخر ، لا بد لنا أن نذكر ، أن من أهم تجليات الأسلام الحداثوي – الوليد الشرعي للأسلام الماضوي ، هو ظهور الوهابية والسلفية و .. والمنظمات الأرهابية الأسلامية / القاعدة وداعش والنصرة .. – التي تعتمد على الموروث الأسلامي الدموي ، المسطر في النصوص القرآنية والأحاديث والسنن النبوية ، والتي تعتبر هي الأخرى” وجها أخرا للأسلام ” .