8 أبريل، 2024 1:44 ص
Search
Close this search box.

بين أحلام التوحد واتجاهات التقسيم .. عراق يتهشم

Facebook
Twitter
LinkedIn

الحديث عن ضمان وحدة العراق وهويته يجري بخجل أكثر من الخجل الذي يختلج المتحاورين في مسالة تقسيمه وإنشاء الأقاليم بل أصبح الحديث عن الانفصال والأقاليم أداة للصراع بين السياسيين ووسائل للضغط وكأن التغاضي عن الانفصال والبقاء ضمن العراق الواحد منة منهم أو تضحية كبيرة من قبلهم ، متناسين أن العراق سياسيا ورغم إرادة الشعب كله بالوحدة والتضامن، مقسم اليوم إلى ثلاثة أجزاء، ومستقبلا ربما يكون واقعيا أكثر من ذلك، وبقاء السياسيين داخل قبة واحدة الآن ليس إلا ترتيبا لحسابات تتعلق بالمكاسب التي يمكن تحقيقها لهذا الطرف أو ذاك على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وواقعيا أيضا، فقدت الحكومة مركزيتها لحساب إدارات المحافظات أو الأقاليم، وبكل وضوح، فان العربة تجري باتجاه تقسيم العراق تحت حجج تبدو منطقية إذا ما نظرنا إلى الواقع السياسي وكأنه أمر محتوم ولا مفر منه، وإذا ما أيضا تم احتساب المصالح الطائفية أو القومية التي تقوم عليها جهود الانفصال، وللأسف فان الأصوات المطالبة بالمحافظة على وحدة العراق ، تبدو مرتجفة بعض الشيء ومتطرفة في ذات الوقت، وما ينقص الجميع انفصاليين أو وحدويين هو النظر بحكمة وعقلانية إلى المستقبل دون الالتفات إلى عورات الماضي، وهذا الأمر يتطلب شجاعة عالية ونكرانا للذات و جوا من الثقة التي تكاد أن تكون بيت الداء وأحد أهم الأسباب التي تقف وراء الصراع السياسي القائم الآن.. وفقدان الثقة في الأساس بين القادة العراقيين مشكلة كبيرة يبدو أن حلها أصعب بكثير من حل أية مشكلة أخرى، إذ أن الحلول دائما تنطلق لأية قضية مثار صراع، من منطلق التعاون المخلص والجاد والرغبة الحقيقية الصادقة بين الأطراف المتصارعة لحلها وليس من قبل طرف واحد ، فإذا ما اختفت الثقة وحل بدلا عنها الشك والتآمر والمصالح الشخصية أو الفئوية فان طرق الحلول ستغلق بل وتتعمق الخلافات وتتشعب وتضيع القضية الأساسية لحساب إيجاد حلول لقضايا فرعية نشأت عنها، ومن ثم التسليم بالأمر الواقع وكأنه الخيار الوحيد الذي لا مفر منه، من هنا تتصاعد الأصوات والنداءات مهددة مرة ومنذرة مرة أخرى بالانفصال، والأمر لا يتعلق بمجموعة بعينها، فالجميع، العرب في الجنوب وفي الغرب والأكراد في الشمال، ثم الآشوريين والتركمان وآخرين طالما انذروا وهددوا ولكنهم في كل الأحوال لم يستعدوا بعد إلى إجراء مثل هذا، باستثناء الأكراد الذين استكملوا بناء دولتهم وهم يؤجلون الإعلان عنها ليس إكراما لتاريخ طويل لعراقيتهم، بل لان المكاسب لم تكتمل بعد، وهم قد تمكنوا خلال عقد من الزمن من تحقيق نمو مناسب واستقرار وبناء نظم اجتماعية وهيكليات سياسية وتنظيمية اجتازت بسرعة وبفارق كبير مستويات النهوض في كل أرجاء العراق الأمر الذي خلق لدى أجيالهم وخصوصا الشباب وممن لا يحوي في ذاكرته أية صور عن العراق وعن بغداد تحديدا، ولا يتكلمون اللغة العربية التي نقلها إليهم الإسلام، شعورا بان العرب ونظام الدولة العراقية هو السبب في تأخرهم وتوقف عجلة التنمية سابقا، وان مجرد حصولهم على الحقوق الفدرالية وابتعادهم عن سطوة المركز دفع بهم إلى الأمام في قفزات لا يمكن للعرب الآن مجاراتها، فكيف إذن سيكون حالهم لو أنهم أعلنوا دولتهم المستقلة وأزالوا والى الأبد تأثيرات العرب المجاورين لهم، وابتعدوا عن سلطاتهم التي لن تجلب لهم سوى المشاكل والصراعات؟.. بالتأكيد ستكون إجابة الكثيرين منهم بان الحال سيكون أفضل، وهذه حقيقة وليست وهما، وبالمقابل سيكون حال العرب أفضل أيضا إذ إنهم سيتخلصون من عبء وإرث طويل لم يستفيدوا يوما منه فيما مضى، ولن يستفيدوا منه مستقبلا.. ولكن هذه الحقيقة تحتاج إلى شروط قوية وصعبة، فلن يكون حال الجميع أفضل إلا إذا تمكنوا بقدر عال من الثقة بينهم وبقدر من التضحية هنا وهناك لا يجاد مخرج لمشاكل وتعقيدات هي التي تعيق توجهات الانفصال الآن وعدم حلها بعقلانية وموضوعية وبروحية خالية من الأطماع ستخلق مشاكل مستقبلية لا حصر لها.. الأكراد جاهزون لإعلان استقلالهم، وسيحضون بدعم الغرب والشرق باستثناء تركيا التي ستلجأ إلى عقد صفقة معهم تضمن مصالحها وربما مصالح التركمان في كركوك، فلم يعد احد مهتما بالعراق كدولة واحدة، إذ أن دولته ككيان قد انتهت، وهاهي القوى الدولية والإقليمية تتعامل اليوم مع السياسيين كزعماء للطوائف والأقاليم والمحافظات بل وحتى إلى مستوى شيوخ العشائر، وليسوا ممثلين لبلد واحد، والعرب المجاورون للعراق مثلا ومعهم أميركا يريدون كيانا سنيا يضمن لهم الوسائل الكفيلة في صراعهم المذهبي القادم مع إيران، وأميركا تريد كيانا كرديا ليكون ورقة ضغط مستقبلية ضد إيران من جهة وضد عرب العراق وتركيا لحسابات بعيدة من جهة أخرى، أما العرب الشيعة فقد انزلقوا في المنحدر الإيراني وأصبح خلاصهم منه مجرد أوهام للحالمين بالاستقلال وبالأفكار القومية المتذبذبة، ولكن ما يؤخر الجميع هو ما بإمكانهم أن يحصلوا عليه من بقائهم لمدة أطول ضمن تركيبة بلد يكاد يتهشم؟.. فالأكراد وان كانوا سعداء حد الضحك بما هم فيه الآن إلا أن عيونهم ترنو إلى كركوك الغنية بالنفط، والى مناطق أخرى تسمى اليوم مناطق ( متنازع عليها)، وهم يستثمرون الصراع الطائفي الذي يشغل العرب سنة وشيعة، وهذا من حقهم كسياسيين قوميين، ولكن بالتأكيد ليس من حقهم كمواطنين عراقيين، وسيحصلون في نهاية المطاف على الشيء الكثير مما يحلمون به، فهم يعرفون أن ليس بمقدور العرب الآن القيام بأي فعل من شانه أن يؤثر على أحلامهم، ولكنهم دون أن يدركوا أن الانسياق وراء أطماع تقفز على حقائق التاريخ وتستغل واقعا متخلخلا، إنما يخلق مشاكل مستقبلية عديدة، وسيدفع ثمنها الأجيال القادمة من العرب والأكراد معا.. ولعلهم إذا ما نظروا إلى قضيتي العراق والكويت و فلسطين سيجدونها مثالا واقعيا لما يمكن أن تكون عليه صراعات من هذا النوع خصوصا إذا ما اختلت موازين القوى الدولية والإقليمية مستقبلا، وليس بعيدا عنهم الموقف الأمريكي المزدوج لقضية الأكراد عموما، ففي تركيا مثلا عشرة ملايين كردي لا يحضون بأية حقوق إنسانية شبيهة بما حصل عليه أكراد العراق، فلماذا إذن يحضى أكراد العراق برعاية أمريكية خالصة فيما يعاني إخوانهم في تركيا من الجفاء الأمريكي؟.. في مقابل ذلك هناك الأقلية التركمانية التي تشعر الآن بالاضطهاد والتهميش وهم في كل الأحوال لن يكونوا سعداء إذا ما حكموا من قبل الدولة الكردية القادمة أو من قبل حكومة بغداد المتناحرة وبذلك سيكون موقفهم معروضا في المزاد في دائرة الصراع السياسي القائم ، وربما سيدفعهم هذا الأمر إلى قبول الزواج مع من يحقق لهم مصالح وحقوق أكثر.. أما العرب السنة، فإنهم على حد تعبير رئيس البرلمان ( النجيفي) يشعرون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وربما يعتقد النجيفي ومن يؤمن بآرائه أن إعلان إقليم السنة سوف يجعلهم مواطنين من الدرجة الأولى.. من غير أن يسالوا أنفسهم: من هو مواطن الدرجة الأولى في العراق؟.. هل المواطن الشيعي المسحوق والمغلوب على أمره والذي يعاني في البصرة والعمارة وغيرها من المناطق الشيعية  من نفس ما يعانيه المواطن السني في الموصل وتكريت وغيرها، هل تحضى السماوة مثلا بساعات طويلة من الكهرباء في حين تنقطع الكهرباء عن الأنبار ساعات طويلة، أم هل أن الرعاية الصحية في الناصرية هي أفضل من مثيلاتها في تكريت!!.. أم أن النجيفي كان يقصد أن السياسي السني لا يحضى بنفس المكاسب التي يحضى بها السياسي الشيعي؟.. ولكن وربما لم تدر في ذهن شخصيات تؤيد هذا الطرح، أن تقدم الأكراد في إقليمهم ومستويات النهوض والتنمية التي حققوها جعلت من الكثيرين يفكرون في أن الاستقلال عن الحكومة المركزية سوف يعطيهم ذات الفرصة التي سنحت للأكراد، وقد تكون هذه أيضا أفكارا صحيحة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن دول الخليج سوف تقدم رعايتها الكاملة لكيان سني من شانه أن يقف حجر عثرة أمام ما يسميه البعض ( المد الشيعي) فدول الخليج من ناحيتها تبحث عن من يحارب بدلا عنها ويجنبها مآسي الحروب ويدرأ عنها مشاكل داخلية استطاعت أن تتجنبها منذ عقود، إضافة إلى أن ما تبغيه الإدارة الأميركية هو إشغال المنطقة بمشاكل يصعب حلها تضمن لها التدخل في أي وقت تشاء من بينها إشعال فتيل الصراعات المذهبية الإسلامية إقليميا .. إذن فلذة الانفصال وإنشاء الكيانات هي في الحقيقة عسل مسموم، ومهما كانت الآفاق مفتوحة الآن للذين يعتقدون أنهم سينجحون في إرساء دعائم هويات جديدة لهم، وتقوية انتماءاتهم التي كانت ذائبة في العراق الواحد، فإنهم إن لم يفكروا بجدية وبواقعية وبنظرة تضمن السلام والهدوء للأجيال القادمة حتى في عملية تحقيق الانفصال أو إنشاء الكيانات الجديدة، فإنهم إنما يهيئون وقودا لجحيم مستقبلي ومآسي لا يمكن إيقافها، ونزيف في الثروات والأرواح لا يمكن للأطماع والغرور والمصالح الآنية أن تبرره.. إن ما حدث في العراق وما سوف يحدث، لا يمكن للأجيال القادمة أن تغفره للسياسيين الحاليين، ولكن تلك الأجيال ستجد نفسها في المأزق الذي افقدها الفرصة الحقيقية القائمة الآن لوضع البلاد بالاتجاه الصحيح، رغم أن الحلول الصحيحة والحقيقية لا يمكن مطلقا التوصل إليها حاليا، فلا احد يمكنه التوقع أن يتفق كل السياسيين على أن يغادروا أفكارهم المذهبية وانتماءاتهم وولاءاتهم الطائفية وان يتوقفوا عن إقحام الدين في السياسة، ليس لقصور الفكر الديني بل لأننا شعب متعدد المذاهب، وأن يتجهوا للإصلاح بروح حداثوية مبتدئين بإعادة كتابة الدستور، وان يدركوا أن لا يمكن مطلقا لطرف أن يتقبل أفكار وانتماءات الطرف الآخر المذهبية، ولكنهم في الأساس غير مهتمين بالشعب ومشاكله الحقيقية ومستقبل أجياله بقدر ما ينظرون إلى ما يمكن أن يحصنهم ويمد في بقائهم كنجوم للعبة ستدفع البلاد إلى هاوية التمزق والتقسيم..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب