23 ديسمبر، 2024 2:31 م

 بينهما نقطة وعلينا أن..

 بينهما نقطة وعلينا أن..

أنعم الله على لغتنا لغةِ القرآن والعروبة، لغةِ الانتماء والهويّة والثقافة والتكوين ، لغة الصّراع والتصدّي للبقاء والسّطوع . انعم الله عليها بالعلماء والمفكّرين الغيارى الذين لم يألوا جهدا في خدمتها وحمايتها رغم عاتيات الزّمان وجيشِ المضلّلين الذين وظّفوا ضلالَهم وطغيانهم بماهُيِّئَ لهم من وسائل ومتاريس وآليات ، ما عادت في الستر، وما عاد أمرُها مجالَ الأخذِ والعطاء والتأويل والتبرير. هذه ااكلمات التي تحلّيها نقاط الحروف، وتجلوها حركاتُ الضّبط والتشكيل، وتؤطِّرها علامات التنقيط ، لتكون في متناول القارئ سمعا وبصرا وبصيرة. إنّ النقاط التي تستقرُّ على الحروف أعلاها وأسفلها، مفردةً أو مثنّاة تلعب الدّور الرّائد والعظيم في تبيان المقاصد وإيصال المعاني المبتغاة ، وعليك أن تتصوّر الكلمة” تحريب ” دون نقطة أو بنقطة على الحاء أو الراء أو بالنقطة على الراء، فالتخريب وارد والتجريب والتحزيب ” فالفارق كبير بين التخريب وبين التجريب، وبينهما اختلاف في وضع النقطة، وعليك تدبّر المعنى المراد. بين مخرّب ساعٍ لدكّ الثوابت والأخلاق والمثل واللغة، بين مخرّب استكان لشيطانه، وتخلّى عن مبادئه ومكوّناته لمصلحة خاصّة يرى فيها مصيره ومصلحته فحسب. وبين مجرّب اكتنز خبرة ومعرفة ورغبة صادقة، بين مجرّب، يعي علمَه، ويحسنُ قراءة ما يراه، ويتابعه. يُحرّكه إحساسٌ بالمسؤولية ، ويقوده عقلٌ مسسيَّجٌ بالذكاء والحكمة والنّزعة الإنسانيّة . وذاك المخرِّبُ الذي تسيِّرُه حماقته ونرجسيّتُه. أنت بين إنسان نفى عن نفسه أنانيّتَه، ونحّاها جانبا ، يشعر بلذّة الكشف والبعث وتقديم ما جرّبه ، واختبره مستفيدا من علمه وفطنته، وحبّه، والثاني المخرّب راح يستغلّ عقول الكائنات ، ويتغلغلُ بأساليبه الثعبانية . هذا حال المجرّب وحال المخرّب وبينهما نقطة ولكن.. وإليك حال “الرائد” وحال” الزّائد” وبينهما نقطة. هناك رائد اكتشفه الآخرون ، وقدّره المتابعون. ألم يقلِ الأقدمون: “رائد القوم لا يكذب” فأنتَ أمام رائد ريادتُه عكستْ نتائجَها وفعاليّتَها على الحياة، وأثّرت في نفوس الآخرين، وحفرت الدّروب ومهّدت السّبل، فكان مثالا يُحتذى. تراه يعمل بصمت الحكيم، ويتسلّح بتواضع العلماء، يغنيك صمتُه كما يغنيك حديثه ومجلسُه. لا يتكلّم إلا عن أمرمفيد للجميع. يخدعك صمتُه، وتكشفه حكمتُه. يستمع كطالب علم متشوّق للمعرفة. تراه معلّما ورائدا في صمته وحكمته وحديثه وصبره وإيثاره وتواضعه. نادرا ما يتكلّم عن نفسه، وما أغناها وأعظمها في أعين الناس وصدورهم! والثاني” الزائد” فقد غيّرت النقطةُ مسارَه وطبعَه وسلوكَه حتّى أمسى كالزّائدة الدوديّة التي يُستغنى عنها حين إصابتها بالورم والتضخّم. فلايرى سوى نفسه، ولا يرى في أولويّات الحياة سواه. هو زيادة في المجالس لأنّه يأكل حقّ الآخرين إلاّ إذا تحدّثوا عنه وعن عبقريّاته الملفّقة. هو زائد على العدد، وليس بعدد. لو سألتَه عن عمله في دائرته، إن كان يعمل، أو عن بيته إن كان يحمل صفة

ربّ الأسرة، أو سألته عن إضافاته الإبداعية ورياداته لأدخلك في الجدار، وحرّك فيكَ العجبَ العجاب، ترى أمامك قصص “دونكيشوت” ، وطواحين الهواء وسراب الوهم، تسمع مالا يطاق حتّى تشعر بالنّعاس والملل، فينتابك التثاؤب، وهو في حديث معاد للمرّة …وبالطبع لم تطلب منه المزيد ، بل هو وعدك بالمزيد في جلسة قادمة ، فاحتملِ العقابَ الزائد من الزائد الذي أصبح رائدا بطبعه الذي يفيض عليك في كلّ جلسة. وهذا جزاء من ترك الرائد ولحق بالزّائد. ولنا وقفة أخرى بين”عرف” و”غرف”و “عزف” والفارق نقطة ولك أن تتصوّر المعاني والنتائج والمكوّنات والتبعات. المرء الذي يبحث عن المعرفة تراه متوثّبا ومتنقّلا في كلّ بستان، هو في سعي ودأب لكسب البحث والمعرفة وزيادتها في مسار حياته وتكوينه. وهو يعرف مدى حاجة الناس لهذه المعارف وتزويدهم بها. تراه مُقبلا وعارضا معارفَه ومؤمنا بجدوى المعرفة والتبادل المعرفي، يبثّ حبّه وما اكتسبه وجَناه، ولا يحتكر الخبر والعنوان، ولا يعزف عن إبداء المعرفة ويحتكرها لذاته، ويحرم المجتمعات والأفراد منها .وفي الضفّة الأخرى يواجهك ذاك العازف عن المساعدات والعون ولا أقصد ذاك العازف للموسيقى بآلته، فسيّان بين الإثنين أيضا. يعزف عن النفع، ويتجنّب مدّ يد العون لطالبي المعرفة والبحث والدراسات والمراسلات، يتجنّب الزّرع في سبيل الآخرين، يرحل وقد حرم الناس والمجتمع من معرفته، ولن تبرّئه المبرّراتُ الواهية. وهو أدرى بالحقيقة فالأرض الخصبة لا تصدّ، ولا تردّ من يبذر فيها بذاره، والحَبَل الحقّ لا يستره ، ويخفيه ثوب. والعارف العالم المعطاء غيرُ ذاك الغارف من كلّ مكان دون دراية ، ودون تروٍّ وحكمة. فالغارف أقرب للسلب وانتهاك أعراض المعرفة وشاهدي الزّور. هو مختلس بشكل حضاري وبأسلوب ظاهرُه حضاريّ وجوهره كذب وزيفٌ وبهتان وزعم بامتلاك وابتكار مالا يملكه.وآخر ابتكاراته قوامُه القصّ فاللّصق فالنسخ فالادّعاء والنشر. أسألك أين تضع النقاط على الكلمات التالية ؟ شعب- مرح – “…