نافذة اخرى لإستنزاف الثروة الوطنية.
لا يكاد يمر يوم، او لنقل اسبوع حتى نتجنب الإتهام بالمبالغة، الا وهناك تصريح او رأي او كشف حساب حول مضار مزاد العملة الذي يقيمه البنك المركزي العراقي منذ ٤ / ١٠ / ٢٠٠٣ في كل ايام الدوام الرسمي. للمثال لا الحصر، كرر رئيس كتلة النهج الوطني عمار طعمة أمس الأربعاء مطالبته بايقاف الخسائر المالية الطائلة الناتجة من مزاد بيع العملة للبنك المركزي وأوضح في بيان انه نتيجةً الفرق الفاحش بين سعر بيع الدولار المباع من البنك المركزي وسعر بيعه في السوق الذي يتراوح بين (٥٠- ٦٠) دينار لكل دولار ، فان مجموع ارباح المصارف المشترية (خسائر العراق) من بيع البنك لقرابة أربعة مليار دولار شهريا تتراوح بين ( ٢٠٠-٢٤٠) مليار دينار. مع ذلك فإن المزاد مستمر رغما عن انف الجميع والآن تسعى الحكومة دون معارضة تُذكر الى فتح نافذة اخرى مشابهة.
في سابقة لم تحدث من قبل، اعلنت وزارة النفط ممثلة بشركة تسويق النفط سومو، بمبررات تشبه من حيث النتيجة مبررات استمرار مزاد العملة، وبهدف دعم الموارد المالية لخزينة الدولة العراقية، وكبادرة جديدة لتنويع أساليب البيع والدفع، انها بصدد اعتماد آلية الدفع المسبق في تسويق جزء من النفط.
بدءاً هناك اشكالية حول موضوع التسعير في الايضاح المنشور على موقع سومو يوم ٢٤ من الشهر الجاري لأنه يذكر ثلاثة اسعار . يقول الايضاح: الشركة او الشركات الفائزة في العرض مطالبة بدفع كامل قيمتها المالية مقدما خلال ٣٠ يوماً من تاريخ توقيع العقد وفق سعر تقديري اولي للبرميل الواحد ويساوي المعدل الشهري او السنوي لنفط برنت للفترة التي تسبق تاريخ توقيع العقد، تودع في حساب البنك المركزي العراقي لدى البنك الفدرالي الأمريكي. هذا اولا خلاف المألوف لأنه ليس من المعقول ان تحدد سعرين لبضاعة تحمل نفس المواصفات والشروط، وبعد ذلك نجد الايضاح يقول: كذلك سيتم التعاقد مع الشركة الفائزة لتجهيزها بكمية مماثلة بمقدار ٤ مليون برميل شهرياً لمدة خمسة سنوات وسيتم تحميل وتسعير تلك الكميات بنفس الشروط وآليات البيع المعمول بها حالياً لدى شركة تسويق النفط وبالأسعار الرسمية المعلنة. ثانيا من الطبيعي ان المشتري سوف يختار السعر الأقل، وان من حق من يدفع اموال خمس سنوات مقدما ان يطلب امتيازات سعرية تفضيلية، أقل بالتأكيد من التقديرات المذكورة انفاً في كل الأحوال.
من الصعب فهم مغزى التقديرات السعرية هذه ولكن العملية عموما لا تواجه الكثير من الإعتراضات لدوافع مختلفة، ربما اجلنا الحديث عنها الى مناسبة اخرى. مثلا عضو اللجنة البرلمانية، احمد الصفار يحاول ابراز الجانب الايجابي المفترض بانخفاض الأسعار فيكون العراق عندئذٍ رابحا، مع انها الآن في حدودها الدنيا تقريبا ومن الطبيعي ان ترتفع ويكون العراق خاسراً. بعد ان يقر بسلامة العملية اقتصاديا دون ان يوضح وجه السلامة، يقول الصفار: ومن المحتمل ان يكون العراق فيها الطرف الخاسر، وربما يكون الطرف الرابح، رغم ان كل المعطيات كما ذكرنا تشير الى ان الاسعار في ارتفاع تدريجي وان الأسعار لازالت حول حدودها المتوسطة والدنيا وان معظم الخبراء المعنيين يرون ان السعر المعقول لبرميل النفط يتراوح بين الستين والسبعين دولارا وان العراق وفق أكبر الإحتمالات سيكون الطرف الخاسر. مهما يكن من امر فإنه من غير المعقول ان ترهن جزء من ثروتك الوطنية بالصدفة واحتمالات الربح والخسارة خصوصا ان احتمال الخسارة هو الأقرب الى الواقع.
لو تم توقيع عقد اليوم ٢٦ ت٢، ٢٠٢٠ نجد ان معدل سعر برنت للشهر السابق تقريبا هو ٤٢,٥٢$.ب، وقد استخرجنا المعدل للسهولة من (ادنى سعر ٣٦,٦٣$.ب يوم ٢ ت٢، ٢٠٢٠) و (اعلى سعر ٤٨,٤١$.ب يوم ٢٥ت٢، ٢٠٢٠)، وذلك يعني انك ستبيع اقل من السوق بمقدار ٥,٨٩$.ب. واذا ضربنا هذا الرقم بالكمية السنوية المعدة للبيع البالغة ٤٨ مليون برميل حسب ايضاح سومو نجد ان خسارة العراق ستكون ٢٨٢ مليون دولار. طبعا الخسارة سوف تزداد وفق متوالية كلما ارتفع سعر النفط ولنتخيل ان النفط اسعاد مجده عندنا وصل ال ١١٥$.ب ونقارن حجم الخسارة المتوقعة.
تجدر الإشارة ان الايضاح يتحدث عن سعر تقديري وان سعر برنت في هذه الحالة سيكون مرجعا فقط لأنه عادة اعلى من سعر النفط العراقي بحوالي ٥$.ب على الأقل. وان البيع بهذا الأسلوب سيكون لمدة سنة، تبدأ من ١ تموز، ٢٠٢١ وتنتهي في ٣٠ حزيران، ٢٠٢٢.