إثنتان وعشرون سنة ، مرّن حتى الآن ، على ” استقلال ” كردستان عن العراق . هي دولة مستقلة لا تحتاج إلّا إلى إعلان رسمي ، وهو ما سنراه حتماً في الزمن المنظور . بعد احتلال الوحوش الأمريكان ، للعراق ، صارت كردستان ، اكثر وضوحاً ، بعَلَمِها المرفرف ، ونفطها وتجارتها وحدودها وسياستها وعلاقاتها الدولية والإقليمية ، وبيشمركتها المسلحة بكل أنواع السلاح الثقيل والخفيف ، وما تحت المائدة ، كان أعظم . في الدستور الجديد ، أصرَّ الأكراد على مسألة اجتثاث حزب البعث ، وتطبيق قانون المساءلة والعدالة ، بل حتى على إعدام الرئيس الراحل صدام حسين ، الذي كان أنقذ مسعود البارزاني من الهلاك ، في المنازلة الدامية التي وقعت بينه وبين جلال الطالباني سنة 1996 ، الذي توعّد فيها مسعوداً ، بأن يجعله لا يرى أربيل ، إلّا بواسطة الدربيل المنصوب فوق جبل بعيد ومعزول وبارد . منذ عشر سنوات ، ظلت كردستان آمنة ، فلا سيارات مفخخة ، ولا أحزمة ناسفة ، ولا تنظيم قاعدة ، ولا مسدسات كاتمة ، والإعمار فيها قائم ولافت وواضح ، والكهرباء والماء والمجاري والتبليط والكرامة ، على أربع وعشرين حبّاية ، أما ما تبقى من العراق ، فلقد أكلته المفخخات والطائفية والتخلف والفساد والموت اليومي ، والفتاوى القذرة ، والهجرات والتهجيرات المليونية ، في الداخل وفي الخارج . إنها حقاً مثل نفخة جعفر السعدي المشهورة ” عجيب أمور ، غريب قضية ” ، لكن دعونا نتشارك ونتجادل في حل الألغاز والأحجيات التالية ، علّنا نصطاد الجرح ، فنشدّهُ شدّاً ، ونشفيه ، ولو كان آخره الكيّ :
1
كردستان عاشت في هذه الجنة ، بقدرات أمنية واقتصادية محدودة وقليلة ، إذا ما قارنّاها بالقدرات المتاحة العظيمة في الباقي من العراق ، فهل يصدّق عاقل ، أن جيش كردستان وشرطتها ومخابراتها ، هي التي حمتْ الحلم الكردي ، من المفخخات والنواسف والأحزمة والكواتم ، وفوّهات التخلف ، وهي المسوّرة بأربع دول – ايران والعراق وتركيا وسوريا – وهذه كلها تتطيّر من فكرة الدولة الكردية المستقلة ؟!!
2
هل يعقل عاقل ، إن الأمريكان والإنكليز ، بما عرف عنهم من وحشية وهمجية وانعدام ضمير وشرف ، وقد عاونتهم في الغزو ، أزيد من عشرين دولة مجيشة بأحدث أنواع السلاح والتكنولوجيا ، وأقمار التجسس التي بمقدورها أن تصطاد النملة المتحركة ، ولو كانت طامسة بجحر عميق ، وأيضاً بمشاركة عشرات آلاف النغولة والشواذ وحثالة البشر ، الذين جائوا على شكل شركات أمنية ، كان أشهرها ، شركة بلاك ووتر ، وهذا الحشد القذر ، قد إتكأ على ميزانية خرافية ، وبوري دولارات لا ينضب ، فهل من المنطق التصديق بأنَّ كلَّ لمّة الأشرار هذه ، قد فشلت في تأمين وإعمار وحماية ما بقي من العراق ، مقابل هذا ، نرى كردستان محمية وآمنة وعامرة – ألف عافية طبعاً- بحماية شبه جيش اسمه البيشمركة ؟!!
3
ألأكراد مصرّون حتى اللحظة ، ومتحمسون على تطبيق اجتثاث البعث ، واعدام ضباط وأبطال وشرفاء الجيش العراقي السابق ، لكنهم لم يجتثوا أو يقتلوا ، أو يهجّروا ، أو يحبسوا ، أو يهينوا ، أو يقطعوا رزق ، أو يسرقوا بيوت ، آلاف مؤلفة من البعثيين والضباط والمدنيين والجحوش والمسئولين الكرد ، الذين كانوا يشتغلون في جيش وأجهزة ومخابرات وأمن وحكومة صدام حسين ، وهم من المنتمين إلى حزب البعث العربي الإشتراكي ، والكثير الكثير منهم ، كان انتماؤه للبعث ، قلباً وقالباً وميزة ، وليس ” تقيّة ” ؟!!
4
إذا كان تنظيم القاعدة ، يحتاج إلى قوة كونية هائلة ، لإيقافه ومكافحته والإنتصار عليه ، الأمر الذي ” فشلتْ !!! ” فيه أمريكا وبريطانيا ومن معهما من وحوش الأرض ، فكيف استطاع صدام حسين المحاصر حدّ الموت ، وجيشه المنهك ، وأسلحته القديمة المتخلفة ، أن يحمي كل العراق ، من المفخخات والقاعدة والإرهاب وإيران ؟!!
5
هل حقاً أنَّ القاعدة ومشتقاتها ومقترباتها ، موجودة بهذا الحجم والقوة المرعبة ، أم أنَّ ثلاثة أرباع قوتها ، عبارة عن خطب وتهويلات ، ومواقع أنترنيت ، وشماعة جرائم خفية ؟!!
6
إذا كانت أمريكا الوغدة الحرامية الكذابة ، قد نجحت في حماية حقول وآبار وأنابيب وشركات وموانىء النفط ، المنتشرة في طول العراق وعرضه ، فلماذا لم تنجح في حماية الناس التي انثرمت أجسادهم واحترقت بالمفخخات الملغمات ؟!!
واليوم ، صارت أربيل محجّاً للمتناحرين المتناطحين ، وصار مضيف كاكا مسعود ، ملاذاً إفتراضياً للبكّائين الشكّائين ، فالشيعة تذهب إليه ، أفراداً وزرافات ، تشدُّ على يمينه ، وتذكّره بطقطوقة الحلف الشيعي الكردي ، وكلاوات العروة التي لا تنفصم ، وهم على جهوزية تامّة ، إبنة تام ، ليمنحوه وكردستان ، ما يرغب ويشتهي ويتدلل ، من كركوك حتى خزنة السبعطعش مليار دولار ودولارة ، مشروطية إعطاء السنّة ” ألإذن الطرشة ” ، أمّا السنّة ، فيهاجرون إليه من كل فجّ بعيد ، وينوّرونه بأنَّ نوري المالكي وشيعته الحاكمة ، إنما تتربّص به الدوائر والمثلثات والمربعات ، فكنْ معنا ، غداً تربح وترتع وتلعب وتفوز . أيضاً ثمة هجرات نحو كعبة هولير ، يقوم بها ” آخرون ” كلٌّ في صدره مأرب ، أمّا هو العبقري الذكيّ المتكتك القفّاش اللمّاح ، فأكاد الليلة ، أُنصت لضحكته المجلجلة ، وقولته للإثنين : إذهبوا إلى الجحيم ، وناركم تأكل حطبكم ، وبيضتي لن تسقط ، إلّا في قبّان كوووووووووووردستان !!
أيها الناس : لا تنسوا أبداً ، إنَّ الأمريكان إذا دخلوا بلاداً ، أفسدوها .
[email protected]