وهذا رادود حسيني كان يتذمر من الحظ ويقارن نفسه بباسم الكربلائي، فيرى ان الحظ يلعب لعبته في كل مكان حتى مع تجسيد مأساة الحسين، فقسم كبير من الرواديد يتسلمون اتعابهم بالدولار، اما هو فظل محصورا في الحسينيات الفقيرة من التي لاتمتلك ممولين اغنياء، ولا هي تحت سيطرة حزب متنفذ لتكون الاتعاب كبيرة بحجم المأساة العاشورائية، فقد ذكر انه يقرأ في الحسينية وقد اخذ منه التعب مأخذا، ورأى رجلا عجوزا يخترق الصفوف، وصل بجانبه ووضع في جيبه مالاً، انفرجت اساريره، وبعد الرجل قريبا منه ، فمد يده للمبلغ الذي وضعه في جيبه فوجده الف وخمسمئة دينار، فصاح خلف الرجل: (حجي بيش حسبت الابوذيهْ)، في الماضي كان الكثير من الذين يعملون لتجسيد مأساة الحسين، يعملون لوجه الله فقط، وتقريبا جميعهم اصحاب مهن او عمال او حتى بعض الاحيان من العسكريين، فكلنا يدري ان عبد الزهرة الكعبي كان مدرسا، وحمزة الزغيّر كان يمتلك محلا ( لكوي الثياب، اوتجي)، وهذا ينطبق على بقية الرواديد والشيوخ، في حين تطور الامر ليصبح مهنة، يتقاضى من يمتهنها مبالغ خيالية تصل الى عشرة آلاف دولار كما سمعت للمجلس الواحد، وحسب شهرة الرادود والالحان التي يخرج بها كل سنة، ومع تطور الحالة الاقتصادية للرواديد، بدأت اللطميات تميل الى الحان راقصة، وربما اصاب الشعراء الحسينيين بعض البذخ الشعري او الاقتصادي، وكلما تقاضى الرادود مبالغ كبيرة شمل ذلك الشاعر والملحن، بل تعدى الامر الى اصطحاب كورس، لترديد اللازمة خلف الرادود ، خصوصا في تسجيلات الفيديو كليب.
اولئك المساكين في الزمن الماضي ( الرواديد)، واولئك الشعراء الذين لم يكونوا متخصصين فقط بقضية الحسين، بل لديهم شعر غزل وابوذيات كثيرة، مثل الحاج زاير، وكاظم منظور الكربلائي، اولئك لم ينعموا بترف العيش، بل على العكس ربما دفع بعضهم الثمن غاليا سجنا واعداما وتشريدا، وحين تقارن الكلمات التي كانوا يطلقونها والردات الحسينية تجد ان نوعيتها اكبر معنى، ولاتحتوي على اي خدش لقضية الحسين، او تهديد لطرف من الاطراف، على عكس مانسمع اليوم من افكار جديدة وتصرفات جديدة، فانت ترى وتسمع من يدافع عن قضية التطبير، وتسمع ردا من الذي يرفض التطبير، حتى تتخيل ان الامر هو شبيه بالفن الادبي النقائض الشعرية التي ظهرت في العصر الاموي وهي تمثل قصائد هجاء على نفس الوزن وربما القافية، وكانت محصورة بين الشاعر جرير والشاعر الفرزدق ودخل الى الميدان الاخطل التغلبي في اخريات ايامه، هذه القصائد يقوم من خلالها الشاعر بذم غريمه ومدح نفسه ونسب الصفات الذميمة الى الغريم والصفات الحسنة الى ذاته، حتى ان جرير بن عطية اصطحب احدهم معه الى بيته، وكان ابو جرير يعمل في صناعة الفخار( التنانير)، فقال لضيفه : اتعرف من هذا؟ فقال : لا ، فقال هذا ابي الذي افاخر به جميع الناس وغلبت به الشعراء، وما اريد ان اقول ان الحق والباطل والجيد والرديء ارتبط حاليا بامكانية الشاعر وصوت الرادود ، فصارت قضية التطبير بصوت البعض، قضية الحسين المركزية في حين انحسر مد الذي يرفضونها حتى ضاقت بعض الاحيان بهم السبل، البطالة الفكرية والعبث بسمعة الأئمة، جعلت للبعض مهنة يعتاشون منها عيشة رغيدة، فكان لزاما عليهم ان يبتكروا الجديد لاضافته الى الشعائر الحسينية لتتسع رقعة تأثير الفعل وليكون العمل اكبر والاموال التي تجنى من خلاله اكثر.