6 أبريل، 2024 11:34 م
Search
Close this search box.

بيت صلاح زنكنة

Facebook
Twitter
LinkedIn

عندما دخلت لأول مرة الى منزل صديقي المدهش صلاح زنكنة برفقة الغجري نصيف الناصري ، شعرت من الوهلة الأولى انه بيتي برغم اني لم اكن امتلك منزلا ، كان ذلك عام 1987 ،  كان بيتا ملائكيا ، زوجته مثل حورية ترفرف علينا بطيبتها وبسمة لاتفارق وجهها مطلقا ، ولشدة حبهم لضيوفهم لم يتكلموا بلغة كردية فيما بينهم ، كان كل الكلام بالعربي ، تسأله أم هيمن : صلاح عندما تسكرون اين ستنامون في غرفة الضيوف ام على السطح ؟ كان صلاح يجيبها بكلمة واحدة .. حبيبتي .. وكانت الكلمة تتوغل بمزاغل روحي مثل شعلة مقدسة وتطهّر ذنوبي وتزيح آخر لطخة سوداء ” شروكية ” تربض بأعماقي .. كان على روحي ان تكون ملاكا يشبه هذا البيت الذي هبط سهوا من جنة الله الى مدينة ديالى ، “هيمن” إبنه مثل راهب صغير و “إيفين” إبنته كأنها عصفورة جنّة ،  بالطبع كانت تربطني قبل دخولي الى منزله علاقة خطيرة ، حاولنا خلالها الهروب من جحيم حرب ايران  الى الشمال ، وإلتحقت به عند رابية إشوان ايام الحرب العراقية الإيرانية ، وتوطدّت الصداقة من ليالينا الباردة في رابية إشوان ، كنا عندما يجن الليل نتحاور عن القصة العراقية بصفته يكتب بهذا المجال ، صلاح فوجىء بقراءاتي لجميع القصاصين العراقيين ، فكلما ذكر احدهم حتى ذكرت له جميع مجاميعه القصصية ، ادرك صلاح حينها ان الذي ينام معه بالخيمة قارىء ليس طارئا ، في تلك الليلة بمنزل صلاح زنكنة ، فوجئت ان زوجته تطلب مني ان انزع ملابسي حتى تغسلها لأن رائحتها الزنخة ملأت فضاء الغرفة ، جاءت لي بمنامة نظيفة لصلاح ، خلعتُ ملابسي القذرة بالحمّام ، واذا بها ترجوني ان استحم ايضا ، بالواقع ارتبكت من طيبتها ، غسلت بسرعة مثل بطّة تعشق البر اكثر من الماء ، وإرتديت منامة صلاح ، شعرت بآدميتي فجأة ، حتى تصرفاتي تغيرت ، شعرت اني كائن نظيف مثل باقي البشر ، شربنا وقرأنا شعرا داميا وإستمعنا الى قصص من صلاح لو كان معنا ظل شرطي لكان صلاح بمعتقل .. لن يغادره الاّ برأس مشنوق ، كان الليل متعاطف معنا .. فجعل ضوء القمر يضيء على وجوهنا ، ثملنا تماما ، لم افق الاّ عندما لسعت شمس الظهيرة وجهي فوق السطح ، نهضت وتطلعت الى اركان المكان ، توقفت نظرتي على صندوق جعّة بقنانٍ فارغة ، ايقظت الغجري نصيف ، وقبل ان يفرك عينيه ، قلت له :
– صندوق البيرة سنبيعه
دهش نصيف ولعن السماوات .. قال :
– ماذا يقول صلاح .. جئت بلصوص ؟
اجبته بهدوء ..
– صلاح ذهب الى عمله .. ولم يعد الاّ بعد الظهر .. وأنا اريد ان اشرب .
– ماذا تعني ؟
– نبيع الصندوق ونشتري به بعض زجاجات بيرة حتى يعود صلاح .
– انت مجنون وتافه
– انا ملاك يانصيف ..
وقبل ان احمل الصندوق .. فوجئت بصعود ام هيمن الى السطح .. ضحكت ثم قالت :
– حسن انت سياحة ..
واخرجت من ” جزدانها ” بعضة دنانير وقالت :
– حبيبي هاي تكفيك حتى تشرب بيرة ؟
بقيت مذهولا ..
اقتربت مني دست النقود في جيبي .. وسقطت دمعة من عيني على يدها .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب