ما تسمى ب(الانتصارات) التي حققتها وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، والتي تمثلت بتدمير شبه كلي لما تحتويه البنية التحتية وإبادة جماعية، خلقت لديهم حالة من المنهجية والغرور والشعور بالعظمة و بالهيمنة المطلقة، وانه حان الوقت أخيرا لتطبيق نظريتهم التوراتية الشرق الأوسط الجديد؟
*هل من الممكن أن يصل الأمر بنا اليوم بأن نرى قطار التغيير سوف يدهس كل شيء أمامه ومهما بلغ أهميته من الناحية السياسية أو الدينية، بحيث لا يتوقف قطار التغيير إلا واكتسح الجميع وبدون أي قوة أو عائق يوقفه إلا ونراه قد توقف في محطة التغير الشامل والجذري لمنطقة الشرق الأوسط!
*حزب الله اللبناني اليوم ليس مثل البارحة، بعد أن تم تصفية واغتيال قياداته, الآن يعاني من أجل إيجاد مخرج لغرض البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة , ومستعد بالتخلي نهائيا عن مبدأ وحدة ساحات المواجهة, والتي طالما كررها في أديباته: “بأن إسناد ونصرة قطاع غزة لن يتوقف قبل وقف الهجوم الإسرائيلي والانسحاب من غزة” وليس مستبعد بأن يصل به الأمر الى أن يطالب من حركة حماس بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ولكي يكون إطلاق سراحهم كحبل وطوق أنقاذه من الغرق !.
مختلف وسائل الإعلام الأمريكية وبالأخص العربية والغربية بالعموم تنتظر الأسبوع القادم صدور كتاب للصحفي “بوب وودوارد” الذي يتحدث فيه عن خفايا السياسة والتحالفات خلف الأبواب المغلقة, ومن ضمن ما تناقلته وسائل الإعلام من مقتطفات للكتاب قبل الصدور وما ورد فيها , من مواقف وأحداث حقيقية وليست من واقع خيال الكاتب بأن :” الرئيس بايدن وصف نتنياهو بالوغد والرجل السيئ خلال جلسة خاصة مع احد مساعديه ” وليس هذا فقط بل وصل به الأمر إلى حمله غسيله الوسخ ؟ وهذه ليست مزحة أو نكته أو إشاعة لغرض تشويه صورته أمام الرأي العام ,ولكنها حقيقة حدثت على ارض الواقع وأكدها مسؤولين في البيت الأبيض بانه :” في كل مرة يزور فيها نتنياهو أمريكا يقوم بإرسال ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض”. وما كشفته كذلك الصحافة الإسرائيلية:” بانه وصل به الأمر مع زوجته سارة جمع الزجاجات الفارغة من مقر إقامتهما الرسمية لغرض بيعها , وهي المتبقية من مشروبات استقبال الضيوف ومناسبات الاجتماعات الرسمية , وعلى الرغم من أن المبلغ المتحصل بسيط للغاية فانه كان يصر على هذا الفعل الغريب” مما أضطر معها أحد الموظفين لرفع شكوى رسمية حول هذا الفعل , مما أثار امتعاض وسخرية من قبل الرأي العام .
تعكس لنا هذه الصورة جانب أخر خفي من الشخصية الحقيقة الذي يحاول لـ “بيبي” ان يخفيها عن الراي العام ، بحيث وصل به الأمر بأن يستغل ولا يترك أي فرصة ممكنة ومتاحة له حتى ولو كانت تافهة لغرض التربح السياسي أو المالي من ورائها.
في آخر تصريح لديه قبل أيام غير اسم معركة ” السيوف الحديدية” إلى “يوم القيامة” وهذا الأمر له دلالات ومعاني أخرى الغاطس والظاهر منها , يعكس معها الأبعاد الرمزية والمعنوية التي تحملها مثل تلك العبارات ,وهذا التغيير المفاجئ في المصطلحات ما هي إلا محاولة حثيثة بغرض تعزيز الشعور بالجدية والأهمية العسكرية والسياسية وتبرير الجرائم التي تحدث في قطاع غزة ولبنان أمام المجتمع الإسرائيلي , وتشديده على التحديات الوجودية المصرية التي تواجهها إسرائيل حاليآ على كافة الجبهات ,وكذلك إرسال رسائل صريحة لغرض حشد الدعم الداخلي والخارجي، ومن خلال تصوير الصراع كمسألة حياة أو موت مما يسهل له الشروع في تطبيق نظريته من غير أي عائق قد يظهر فجأة في طريقه.
هذا النوع من التعبير والتغير في المصطلحات والعبارات قد يساعد كذلك في تهيئة الرأي العام الاسرائيلي في تبرير أي تصعيد جذري ومفجع محتمل وخارج عن نطاق التفاهمات والتحذيرات,كان يتم ضرب المنشآت النووية الايرانية ومحطات الطاقة والمنشآت النفطية والموانئ في سير العمليات العسكرية الجارية حاليا، ومن خلال تقديم صورة للرأي العام الداخلي بأنها معركة مصيرية تتطلب معها استجابة قوية ودعم من مختلف الأحزاب الموالية والمعارضة للحكومة الإسرائيلية ونبذ الخلافات وإلى تعزيز الروح المعنوية وتحفيز المجتمع في أوقات الأزمات على الصمود ومساندة قيادته السياسية والعسكرية!
أن نشر صورة المرجع الشيعي سماحة السيد آية الله السيستاني في الإعلام الإسرائيلي بهذه الصورة الوقحة قد يكون له دلالات ذات أبعاد سياسية واجتماعية ورسائل موجهة الى قيادات وكلاء الحرس الثوري الإيراني في العراق, بأن الهدف القادم على قائمة الاغتيالات سوف لن يحميكم من الاستهداف والتصفية حتى ولو كنتم متواجدين بالقرب من مكان أقامته لغرض طلب الحماية , ويكون كذلك استخدامه كوسيلة أخرى للضغط النفسي والمعنوي على مختلف الفصائل والجماعات الشيعية المسلحة بالتخلي عن إيران لأنها سوف لن تحميكم من الاستهداف, إذا كان مرجعكم قد وضع على قائمة الاستهداف فكيف بكم أنتم .
في سياق أخر أن إسرائيل تحاول أن تسعى إلى التأثير على الوضع الإقليمي حاليآ ,ومن خلال محاولة منها لتعزيز روح الشك والانقسام فيما بين الفصائل المختلفة , ومن خلال ظهور شخصية دينية ومرجع شعي مهم مثل السيستاني في الإعلام الإسرائيلي بهذه الصورة , يمكن أن يفسر على أنه استغلال أو محاولة لإثارة الجدل فيما بين الفصائل والجماعات حول حقيقة مدى دوره وتأثيره في التصدي لمثل تلك الأفعال والتي تمس بصورة مباشرة بشخصية مرجعهم الروحي ,ويمكن كذلك أن تستخدم كوسيلة للضغط والتحفيز ردود فعل معينة أو متهورة ومرتجلة من قبل الجماعات المسلحة وسواء كانت دعمًا أو معارضة مما تسهم في تصعيد التوترات الطائفية والمذهبية داخل المجتمع العراقي وهذا ما تعمل عليه مختلف الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإسرائيلية ليس الآن ولكن منذ الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق 2003 !.
وقد تكون ايضآ من ضمن هذه الخطوة وسيلة أخرى لتوجيه رسائل للحكومة العراقية والإقليمية، مفادها أن إسرائيل تراقب الأحداث عن كثب ، وأنها تتأهب للتعامل بصورة حازمة وجدية مع أي تهديدات تنطلق من قبل الجماعات الشيعية المسلحة لضرب أراضيها أو أي تحريض يكون صادر وموجه من خلال الخطب من قبل رجال الدين بمختلف مسمياتهم ومواقعهم الروحية بان هذا التحريض إذا لم يتوقف سوف يتم شمولهم بالتصفية والاغتيالات وإذا لم تقوموا بلجامها عن المشاركة في المواجهة العسكرية.
وأخيرآ وليس أخرآ إذا كانت المنظومة الأمنية الصارمة والمتشددة التي كانت تحمي المجلس الجهادي لحزب الله اللبناني قد انهارت خلال أسابيع بهذه الصورة المفجعة والتي أدت إلى تصفيتهم واغتيالهم، فكيف لنا بالمنظومة الأمنية للعراق المستباحة والمباحة من كل حدب وصوب!؟