29 ديسمبر، 2024 3:18 ص

لم يتسنى للجيش  التركي ان  يعلن بيانه  رقم واحد  من محطات  الاذاعة التركية  ايذانا  بتمرده على نظام الحكم  في تركيا  الذي يترأسه رجب طيب اردوغان ..  وحتما سترافق تلاوة البيان اغاني وطنية حماسية  يكون في صدارتها نشيد” الله اكبر ” الذي تعودنا سماعه  مع بدء كل انقلاب عسكري  يحدث في العراق  يحفزنا ويثير العزم فينا على التقرب من جهاز المذياع  ونحن ننصت بخشوع الى البيان رقم واحد الذي  غالبا ما يكون مصحوبا بالتهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه  العبث بمقدرات البلاد اومواجهة   او مقاومة منفذي الانقلاب  الذين غالبا مايكونون من القادة العسكر .. فيما يدعو البيان ايضا افراد الشعب الى الهدوء والسكينة  لحين السيطرة على الموقف الذي غالبا ما يكون محسوما  بالنصر على  النظام السابق  الذي يبدأ بالانهيار والسقوط  ومن ثم يعقب البيان رقم واحد  سلسلة من البيانات تحدد اسماء  قادة الانقلاب والوزراء المكلفين بادارة  الوزارات في الحكومة الجديدة .. وغالبية انقلاباتنا  كانت انقلابات  لها تسميات توصف بالثورية  وتتصف بمواصفات خاصة  حيث ترافقها عمليات قمع وسفك دماء  لرموز الانظمة  السابقة  مثلما حصل للعائلة المالكة عام 1958 وللزعيم عبد الكريم قاسم عام 1963  ولعبد السلام عارف عام 1964  ولعبد الرحمن عارف عام 1968  ولاحمد حسن البكر عام 1979  اضافة الى تنفيذ  الجماهير المؤيدة للانقلابيين عمليات  سطوا وسرقات  ” حواسم ” منظمة كل حسب اختصاصه .في فنون السرقة ونهب العباد .
وبفضل التخلف التكنولوجي لم يكن قادة الانقلابات  يواجهون صعوبات في اسقاط الانظمة التي غالبا ما توصف بالمستبدة  حيث  تبدأ  القطعات العسكرية المنفذة للانقلاب بتطويق مقر تواجد الملك او  رئيس الجمهورية  ومقر الاذاعة  والتلفزيون الحكومي ” وكان الله في عون الانقلابيين” وينتهي الامر  باعلان  سقوط النظام  السابق  واعلان النظام الجديد الذي غالبا ما يكون اكثر دموية من سابقه .. في تركيا  الامور كانت تجري وفق منحى اخر اكثر تعقيدا  وتشير الى ان  الجيش التركي لم يكن يمتلك الخبرة والدراية في تنفيذ ونجاح انقلابهالعسكري .. وينطبق عليه المثل القائل ” ما كل ما يتمناه المرء يدركه .. تجري الرياح بما لاتشتهي السفن ”  ولو تسنى للقادة العسكريين الاتراك  الاستفادة من خبرة  القادة العسكريين  العراقيين  لتمكنوا من تحقيق انتصارا حتما سيكون مؤزا  ولتمكنوا من  القاء القبض على الرئيس التركي اردوغان واعلانهم  تحقيق النصر على نظامه .. لكن يبدوا ان اردوغان كان يتمتع بذكاء مفرط  ولربما يكون قد قرأ  التاريخ العراقي  قراءة معمقة واستفاد من تجاربه في  تنفيذ الانقلابات ووضع الخطط  الكفيلة  لافشال اي انقلاب يقع على نظامه .. كان الجيش  التركي في انقلابه الاخير  يفتقد الخبرة والدراية في  اسقاط نظام اردوغان  ولو تسنى له  الاستفادة من الخبرة العراقية  في هذا المجال  لحقق نصرا كبيرا  حيث  كان انقلابه الاخير اشبه  مايكون باستعراض عسكري  او مسرحية مدبرة من قبل اردوغان حيث  تحرك الجيش لتنفيذ انقلابه بلا خطة  او سلم اوامر بين الوحدات  العسكرية التي انتشرت في الشوارع  كما  ان  الوحدات العسكرية المشاركة في تنفيذ الانقلاب لم  تقدم على قطع  وسائل الاتصال  للقنوات اللفضائية والهواتف النقالة والثابتة والانترنيت  اضافة الى عدم قيامها بقطع الجسور بشكل كامل  واعلان حالة الطواريء ومنع التجوال   ومن ثم السيطرة على وزارة الدفاع  وتطويق وقصف مقر اقامة الرئيس التركي اردوغان رغم معرفتها بمكان تواجده  .. كما ان القادة العسكر  ” وعلى سبيل التندر وليس الشماتة ” اهملوا كتابة بيانهم رقم واحد ” الذي  يحدد اسباب قيامهم بالتحرك  العسكري لاسقاط نظام اردوغان  واهدافهم  وتوجهاتهم لادارة  السلطة في البلاد  ..

ولربما نسى قادة الجيش  تحضير الاغاني الوطنية  التي  تسهم في الهاب حماس الجماهير لتأييد الانقلابيين  ولربما يكون  القادة  قد اخطأوا في اختيار  نوع  الاغاني الوطنية وجلبوا معهم  اغاني المطربة التركية    ” ابرو غوندش  ” التي تثير حماس الشباب  واحاسيسهم العاطفية  لهز الوسط  في ساحة تقسيم  الساحة الرئيسية وسط استنبول ..  او تثير غضب  العناصر الموالية لاردوغان من  المنتمين لحزب العدالة والتنمية  من المتشددين في اصول الدين وتطبيق احكامه على طريقتهم الخاصة واعتكافهم لاداء صلاة التراويح والدعاء لزعيمهم  بتحقيق النصر على اعداءه  الملحدين  .. ورغم انتهاء الفصل الاول من المسرحية التي مازالت  فصولها مجهولة فان كل الدلائل تشير الى ان الرئيس التركي اردوغان وبعد اعادة سيطرته على البلاد سيقوم بتنفيذ حملة اعتقالات  واسعة  لتصفية خصومه  في الجيش والمعارضة  وازالة كل العقبات التي تقف في طريق  تحقيق حلمة باقامة  الامبراطورية  العثمانية  والتي تمهد له  حسب حلمه ان يكون السلطان اردوغان  الحاكم المطلق  بلا منازع لهذه الامبراطورية  والتوسع لمد  نفوذ ه الى دول الجوار واعادة عهد الانكشارية واخذ الاتاوات  من شعوبها المستضعفة .