لعلّها المرّة الأولى ” منذ الأحتلال الأمريكي ” التي تقوم فيها وزارة الخارجية العراقية بأصدار بيانٍ بصيغة الأحتجاج كردّ على بيان من السفارة الأمريكية في بغداد صدر يوم امس الأول , وإذ لسنا هنا بصدد التعرّض لفحوى او مضمون الخبر كموقفٍ سياسي له اسبابه وخلفياته المعروفة .! , لكنّ إصدار هكذا بيانات رسمية من الخارجية العراقية او سواها ممّا يمثل الدولة , فيتطلب اولاً درجة عالية من الوضوح , ويستلزم صياغة تحريرية دقيقة في الكتابة , وثمّ عدم ترك اية نقطة من الأبهام ” قد يستغلها الإعلام ” وتغدو موضع نقد وتندّر الجمهور .!
البيان العراقي عبّر عن انتقاده لما ورد في ” الجزء الثاني ” من بيان السفارة , واعترض على التدخل الأمريكي في القضايا العراقية الداخلية ولاسيما الأصلاح الأمني الداخلي , بأعتبار ذلك منافياً للأعراف الدبلوماسية وقواعد القانون الدولي .
كان يتوجّب على الذي كتب ردّ الخارجية العراقية ” سواءً المتحدث الرسمي للوزارة السيد احمد محجوب او سواه من المدراء العامين ” الإدراك الضمني الكامل بأنّ هذا البيان المنشور موجّهٌ الى جهتين في آنٍ واحد , واذ مضمونه مفهوم للسفارة الأمريكية , فأنه يتضمن ثغرات وهفوات ونقاطاً ناقصة عبر نشره في وسائل الإعلام العراقية بأعتباره موجّهاً للجمهور العراقي للإطلاع على موقف الدولة في هذا الشأن , وكان عليه أن يوضّح ما هو الجزء الأول من بيان السفارة الأمريكية , ثمّ ليتحدث عن نصّ الجزء الثاني من البيان والذي تطرّق اليه بتلميحاتٍ غير دقيقة وليست كما جاء في النّص الحرفي للسفارة .
والى ذلك فهنالك نقطتان أخريتان في ردّ او بيان الخارجية العراقية , فقد ورد فيه عبارة < مع نفاذ العقوبات الأمريكية على ايران > ومفردة ” نفاذ ” تعني معنيين مختلفين لغوياً , فتعني ” انتهاء ” من جهة , وتعني ” بدء ” من جهةٍ اخرى لكنها قليلة التداول , وكان من الأجدر ” لغوياً ” القول < الشروع بتنفيذ العقوبات > , أمّا النقطة الأخرى التي تضمنها البيان فكانت : < أنّ العراق ” يتطلّع ” لعدم تكرار هذه المطالب الأمريكية مستقبلاً , ويطلب حذف هذه الفقرة من بيان السفارة > .! , فهل هي مسألة تطلّعات او طموحاتٍ وآمال .! وهل تظنّ الخارجية العراقية بأنّ الأمريكان سيحذفون هذه العبارة من بيان سفارتهم .! , ومن المفارقات هنا أنّ بيان السفارة الأمريكية استخدم عبارة < على الحكومة الأيرانية سحب وحلّ الميليشيات العراقية واعادة دمجها , بينما ورد في البيان العراقي” اصلاحات الأمن العراقي” كما اشرنا في اعلاه , لكنها فعلاً ذكرت بأنّ الحشد الشعبي مؤسسة رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة
وإذ مطلوبٌ التحلّي بالموضوعية والجدية على الصعيد الدبلوماسي , فلماذا لم يجرِ استدعاء السفير الأمريكي الى وزارة الخارجية وتسليمه وتبليغه بالأحتجاج العراقي .!
تراودنا شكوكٌ جمّة بأنّ رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية كانتا على إطّلاعٍ مسبق بفحوى هذا البيان قبل اصداره .!