29 ديسمبر، 2024 3:20 م

بيانات هيأة النزاهة والمناصرة المجتمعية المطلوبة !!

بيانات هيأة النزاهة والمناصرة المجتمعية المطلوبة !!

دعت هيأة النزاهة وسائل الاعلام والرأي العام الى مناصرة خطواتها في الكشف عن تضخم أموال كبار المسؤولين الذين يحالون الى القضاء ،ونشرت على موقعها بداية حملة “مناصرو النزاهة ” وقالت في بيان لها ،ان الحملة تسعى إلى تمتينِ عرى التواصلِ بينَها وبين شريحة الموظَّـفين، فضلاً عن بقيةِ شرائحِ المجتمعِ الأخرى، بهدف” دحضِ الأراجيفِ التي يحاولُ المرجفون بثَّــها بينَ أوساطِ الرأيِ العامِّ؛ لتثبيطِهم واعمام صفةِ المفسدين على أغلبِ الموظَّـفين الحكوميِّـين، والتعتيمِ على حقيقةِ أنَّ المفسدين هم القلَّــةُ المنبوذةُ وأنَّ الموظَّـفين النزيهين وذوي الكفاءة هم الأغلبيَّةُ التي تسعى إلى توثيقِ العلاقةِ بهم وحمايتِهم والحرصِ على سمعتِهم”.
وتهدفُ الهيأةُ من خلالِ الحملةِ ايضا إلى مساندةِ ومناصرةِ قادةِ الرأيِ لها لا سيما رجال الدين والإعلاميِّـين والفنانين فضلا عن الموظَّفين الحكوميِّـين والناشطين المدنيين وغيرهم؛ للنهوضِ بالجانبِ الوقائيِّ من عملِها، فضلاً عن الجانبِ الزجريِّ التحقيقيِّ؛ تمسُّـكاً منها بالمهامِّ التي أُنيطَت بها وفقَ قانونِها النافذِ رقم 30 لسنة 2011″ حسب نص البيان.
واذا صح ما ذهبت اليه هذه الهيأة فعلا ، فأنها لن تجاف الحقيقة في الكشف عن النزهاء في الوظيفة العامة، ولكن المرجو منها الا يكون تقليد هذا الوسام مثل تقليد انواط الشجاعة لمن يستحقها ومن لا يستحقها ، لان السياسات العامة في الدولة تبقى فاسدة وتطبيق المحاصصة السياسية مصدر هذا الفساد ، واي كلام عن اصلاح الدولة دون المساس بالفساد الكلي للدولة في منهجها الذي حول الأحزاب من (دكاكين سياسية) الى اقطاعيات وزارية تديرها مافيا كبرى تطرد الكفاءات الوطنية تحت شتى المسميات لكي تأتي بمجاميع من الجهلة والمتخلفين من دون خبرة لإدارة مفاصل الدولة المهمة.
والسؤال كيف يمكن للجهات الرقابية بلورة معالم مشهودة للمناصرة المجتمعية ؟؟
للإجابة على هذا السؤال، يمكن القول ان ثقة المواطن العراقي تتعزز بالأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد بعد مناصرة المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف حكومة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي للضرب بيد من حديد على الفاسدين، والإجراءات الأخيرة المساءلة القانونية تحت عنوان عريض “من اين لك هذا ؟؟”يتطلب دراسة اسس المناصرة المجتمعية ضد الفساد من خلال:
اولا: يمكن تحديد اسس الوعي الاجتماعي لمناصرة مكافحة الفساد في تنمية مهارات الوعي او الولاء الوطني التي تنقسم وفقا لأدبيات اكاديمية متعددة الى:
1-تطبيق النظام والمحافظة عليه
2-الذوق العام
3-الوطنية والمواطنة
4-السلوك المسؤول
5-التطوع
لان تطبيق النظام والمحافظة عليه يعني استبعاد المحسوبية واستغلال المنصب الوظيفي، وهي حالة غائبة الان عن الوظيفة العامة في العراق الجديد، اما الذوق العام فأنه ينحدر الى ادنى مستوى له في تطبيقات اقرب الى تحويل الدولة من النموذج الحضاري المدني المطلوب الى نموذج (عشائري اقطاعي) مقيت ، وما زال اهل القانون يضعون في متن الدستور والقوانين تعريفاتهم لصفات المواطن وتطبيقات المواطنة فيما السياسات العامة للدولة تسير عكس هذا التيار بل ان اهل القانون يقومون بتوفير التفسيرات الكفيلة بتقنين الفساد من خلال امتيازات الحمايات والممرات الخاصة لكبار موظفي الدولة ،
ولم نسمع يوما عن حماية للمدراء العامين او المستشارين الا ما بعد عام 2003 !!، مما يجعلهم لا يشعرون بمعاناة المواطن وهو يمضي ساعات في طوابير الازدحام يوميا، على سبيل الحصر لا الجمع ، لذلك سلوك المسؤول يتضح في ظهوره دون حماية او مواكب رئاسية، هذه المواكب التي تصرف عليها الدولة أموالا طائلة من دخل المواطن الذي يواجه ظروف التقشف براتبه ، وحملة التطوع التي تريدها الدولة من المواطن، مبدأ صحيح ، لكن عليها ان تبدأ بكبار المسؤولين وليس صغارهم ، وان يكون أعضاء مجلس النواب الأوائل في التطوع من اجل الشعب وخدمته وليس العكس، ان يكون المواطن في خدمة من انتخبهم ليسهروا على راحته .
كل ذلك يمكن ان يؤدي الى ترسيخ الوعي القانوني لمكافحة الفساد بكونه ظاهرة اجتماعية وإدارية وسياسية واقتصادية، وهو نوع من العلاقة يتم فيها انتهاك القيم والمثل والمعايير والقوانين المنظمة لحقوق المواطن في الدستور وسائر القوانين النافذة.
ثانيا : الثقة المجتمعية تتمثل في قيام نظام ديمقراطي ناجح، تجعل المواطن أكثر رغبة للمشاركة في شؤون مجتمعه وثقته أن رأيه ومطالبه لهما تأثيرا في عملية صنع القرار الحكومي وتجارب الدول وما تشير اليه اتفاقات الأمم المتحدة ذات الصلة بموضوع مكافحة الفساد ،تؤشر على ان الفساد السياسي هو الفساد الأكبر وان سياسات الدولة ومنهجها في تطبيق الدستور والقوانين هو ما يؤسس للفساد وتعامل الدولة بعقلية المحامي الذي يقنن للفساد ويدافع عنه بسبب الامتيازات واستغلال الوظيفة العامة بالضد من المصلحة العامة، هذه المصلحة التي تنحصر في نموذج المحاصصة المعمول به في العراق ما بعد 2003 الى مصلحة الحزب او الكتلة البرلمانية التي ترشحه دون مصلحة الشعب الذي غمس أصابعه في الحبر البنفسجي في الانتخابات العامة ،حتى بات كل وزير او مسؤول كبير يحول أي دائرة الى اقطاعية خاصة به ومن ثم بحزبه وكتلته البرلمانية حتى شاعت النكتة السياسية بان المحاصصة تبدأ بمنصب الوزير و تنتهي بمنصب الفراش وتكرر مشاهدها كل دورة برلمانية !!
ثالثا : فن الترابط المدني لتكريس الديمقراطية التساهمية ودولة الحق والقانون، لان الميزة الأهم لمسؤولية رأس المال الاجتماعي تتجلَى في الاقتصاد الكلي كونه يُيسر المعاملات الاقتصادية والتجارية ويخفض تكلفة نقل السلع والخدمات الأمر الذي سيؤدي إلى بلورة سياسات استراتيجية للوصول إلى تنمية بشرية مستدامة تتحاوز إخفاقات الدولة الريعية التي تعتمد على ثروة النفط وتهدرها تحت شتى المسميات فقط لإرضاء الكتل البرلمانية تحت عنوان المحاصصة .
ثالثا : النزاهة ثقافة مجتمع ونقل هذه الثقافة الى تطبيق يتطلب وعي المسؤولية المجتمعية للنهوض بأعبائها وهذا يتطلب فهم الترابط الاجتماعي المبني على العمل التطوعي الذي لا يهدف إلى الكسب وتحقيق الربح ، لما يقوم به المواطن في خدمة المجتمع ككل وهناك تجارب نهضت بها منظمات مجتمع مدني في دول اعلام الثالث يتطلب مراجعتها ومحاكاتها في تطبيقات العمل التطوعي ومن ابسط الأمثلة على ذلك خروج الشيخ عبد المهدي الكربلائي معتمد المرجعية الدينية في كربلاء ليقوم بالتنظيف في مدينته، فكيف اذا قام رجال الدين بمثل هذا الدور بعد كل صلاة جمعة ؟؟، وكيف اذا ما نزل الوزير والمدراء العامين في حملة تطوعية لتنظيف وترميم دوائرهم ؟؟
رابعا : التجارب الدولية في دراسة المسؤولية الاجتماعية لتطبيقات النزاهة من خلال تحديد دلالاتها، وتأكيد حيثياتها سواء فى الفلسفة الإسلامية، او الفكر الحداثوي المشاع في الفكر الغربي.
خامسا : اثارة فكرة النزاهة لدى المتلقي بشكل غير مباشر تحتاج الى ابداع اعلامي متميز وليس قانوني لإدارة أربعة مجالات رئيسية مشتركة بين الحكومة والاعلام هي الأمن، والتشريع، والإدارة، وخدمة المواطنين والجمهور وتوعيتهم، وتبادل المعلومات وبثها عبر لأغراض الإعلام والتوضيح والاستدراك،
وكل حالة تحتاج الى خبير متخصص في فنون الاعلام، دون ذلك تبقى الإجراءات القانونية مجرد ورقة دون استثمار مشروع لهذه المناصرة التي تطالب بها مثل هذه البيانات.
لان المطلوب اليوم ، تواجد اعلامي بارز في الفضائيات وبرامجها الحوارية وبقية وسائل الاعلام وتوظيف أسس ما يعرف ب” الاعلام الإصلاحي” ، والغياب غير المفهوم عن الساحة الإعلامية ،يبقى مجرد وهم اداري قاصر على معرفة اسرار إدارة الرأاي العام في تعظيم (الرضا الشعبي) عن الدوائر الرقابية ، التي ما زال المواطن يضعها في خانة الاتهام عن هدر فساد المحاصصة لأكثر من 1000 مليار دولار قيمة موازنات عقد ونيف مضى دون ان تكون لها نتيجة واضحة على قطاع الخدمات، فيما تتواصل الانتقادات الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسياسات الدولة التقشفية في هذا القطاع وغيره، وكل ذلك يتطلب غرفة عمليات إعلامية قادرة على محاكاة الرأي العام وإدارة تسويق إنجازات الدوائر الرقابية امامه وليس الطلب من الاخرين، مع أهميته، مساندة هذه الجهات الرقابية ،فالخطأ الإعلامي واضح في غيابها عن ساحة إدارة الراي العام فيما تطلب من الأخرين مساندتها !!
خطوات هيأة النزاهة مباركة في مجالها الردعي تحت عنوان (من اين لك هذا؟)، لكنها ما زلت كحالة نصف الكأس الملان بحاجة الى حملة إعلامية واقعية، لكي تشارك الراي العام همومها وافراحها من اجل مناصرة مجتمعية حقيقية.